العودة حلم كل فلسطيني، تتغلغل في مشاعره وإحساساته، في حله وترحاله، وعلى الحلم يمضي حياته، فلم يكتف اللاجئ بالحراك السياسي والعسكري لتحقيق عودته، فأبدع بأحاسيسه ومشاعره لهذا الحلم الذي سكن قلبه ووجدانه.
ورغم المأساة والكارثة الفلسطينية والهموم والشجون التي يحملها فإن الحلم تحول إلى يقين لا يفارقه، وعليه شكلت العودة إلى فلسطين، الدافع لإبداعات اللاجئ فكتب لها الشعر والنثر والأدب الشعبي.
وهنا كانت الأغنية الشعبية خير وسيلة للتعبير عن خلجات النفس وخباياها
نتيجة لفراق الوطن والحنين للعودة إليه، فبدأ يكتب العتابا، والميجانا، والدلعونا، وزريف الطول، والجفرا، التي كانت شديدة الالتصاق بقضايا الوطن وأحداثه.
وبما أن الشعب الفلسطيني وظف الأغنية في نشاطاته الحياتية كافة ومناسب
ته الاجتماعية (كالأعياد والاحتفالات والميلاد والأعراس والحروب والتعازي ...الخ)، فمن الطبيعي أن يعيد توظيف الأغنية بعد النكبة لتعبر عن واقعه الجديد.
وبدأ موضوع العودة يأخذ مكانته بالأغنية الشعبية من خلال مشاعر الحنين والمناجاة للدار الفلسطينية المهجورة والمهدومة التي فقدت أهلها وشردوا خارج البلاد، فغيابهم أضاع الوطن:
يا دار وين أحبابنا طلوا/ يا دار عنا أحبابنا تخلوا
ضاعوا بهالدنيا وسابونا/ وبضياعهم ضاع العمر كله
يا دار وين الأهل والجيران/ يا دار وين الصحب والخلان
يا دار هالأحباب سابونا/ وضاع الوطن والعز والسلطان
الحنين إلى الأرض والدار المسلوبة خلق أملاً وتفاؤلاً بالعودة، فالفنان سليم عساف يؤكد هذا الأمل والتفاؤل، رغم النكسات والمصائب، فتمسك الفلسطيني بحقه ووطنه، يولد الأمل بالعودة:
ويطربني النغم يا بوي بالعود/تسدد لفنون الحرب بنعود
كريم الله على الأوطان بنعود/ وهناك تكون وحدتنا عرب
وفي موال شاعر الثورة الفلسطينية إبراهيم محمد صالح "أبو عرب" مطالبة بالصبر من ظلم الزمان وتأكيد على العودة مهما طال الزمن وطالت رحلة البعد عن الدار:
يا توتة الدار صبرك عالزمان إن جار لابد منعود مهما طول المشوار يا يابا
يا توتة الدار حلفتك برب الكون لابد منعود مهما طول المشوار يابا يابا يابا
أما السبيل لتحقيق العودة، فقد حدده المغني عبد اللطيف العجاوي بالقوة والحرب حتى لو استخدمت أدوات ومعدات بسيطة كالسيوف والسكاكين فهذه الأدوات ستعيد أمجاد الماضي، متوعداً العدو بالويل، وقد نظمت الأغنية بقالب لحني يدعى الفرعاوي حيث يؤدي الحداء"المغني" الشطرة الأولى لتكون لازمة يرددها الجمهور بينما يستمر في أداء الشطور.
لازم يرجع ماضينا/ بقوة الله وأهلينا/ يا لسيف والسكاكينا/ والكل ع البلاد يعود/ وكلنا للحرب جنود/ ولما نحمل البارود/ الويل للي يعادينا/ بنحيي لكل الشباب/ في المعركة ووقت الخطاب/ واحنا جنودك في الحراب/ من عنا بنعطي الجواب/ وما في قوة تضاهينا/ يا عجاوي يا خينا/ ونادي بالصوت العالي/ اليسهروا الليالي.
وبعد انطلاقة الثورة الفلسطينية أصبحت العودة قاب قوسين أو أدنى فاليقين بالعودة إلى الوطن في هذه الأغنية جاء بعد انضمام الآباء والأبناء إلى الثورة، دون أن تخلو من بعض الذكريات التي يحملها المغني في دياره:
راجع ع بلادي راجع ع بلادي/ عالأرض الخضرا راجع ع بلادي
أنا وولادي أنا وولادي/ ع صفوف الثورة أنا وولادي
بفَي العريشة بفي العريشة/ يا ما تعلمنا بفي العريشة
ما بنسى العيشي ما بنسى العيشي/ بمنازلنا وما بنسى العيشي
كما تربط النصوص الغنائية العودة بما سيكون بعدها من خلال تحريض غير مباشر على الثورة والاستعداد لتحرير الأرض كبيت العتابا هذا:
ليالينا لا جل الظلم عدوا/ عدانا لقتلنا أشارك عدوا
لغني ميجنا ولحن العتاب/ إذا احبابي ع أرض الوطن عدوا
وفي أغنية الهوارة لفرقة العاشقين والتي غنيت بعد اندلاع انتفاضة الحجارة 1987نجد مطالبة بشد العزم تارةً وبالاستمرار في المقاومة وشن الغارات على العدو تارةً أخرى، فقد حان الوقت لوضع حد لهم الغربة إذ حُرٍّم النوم طالما أن البلاد محتلة:
عالهوارة الهوارة حيوا طفال الحجارة/ شدوا الهمة حتى نعود وع الغاصب شنوا الغارة
بيكفينا غربة وهم يا صحابي يا ولاد العم/ كونوا الريح وشرب الدم بصدر الغاصب قرارا
يحرم علينا النوم وبسماكي غراب يحوم/ رح يجي رح يجي اليوم تعودي للدنيا منارة
ومما سبق يتبين أن الأغنية الشعبية الفلسطينية عكست المرحلة التي تمر بها الحياة الفلسطينية فعندما وقعت النكبة ولجأ الفلسطينيون إلى الدول العربية المجاورة كان لا بد لها أن تعكس هذا الواقع الجديد بما فيه من حنين وأمل بالعودة إلى الديار وتحديد الطريق المؤدي إلى العودة وهو ما حملته الأغنية الشعبية الفلسطينية.