الغروب يُزيحُ الستارعن النهار.. وشهرزادُ تُؤنس مجلس شهريار.. بعد يومٍ حافلٍ إنشغل فيه الملك بتقصّي الأخبار والأسرار.. عن مملكته وأهلها التي هي من أجمل البلدان والأمصار…-
قالت شهرزاد:
مولاي.. ألم تقل لي بالأمس.. أنك ستخبرني عما قال الرواة عن الحدائق المعلّقة؟
قال الملك:
-: بلى يا أنسي وبهجتي…
-: بل انت بهجة أيامي وريحانُ روحي يا مولاي.. ولكن على أن تفي بما وعدتني..ههههههه يضحك الاثنان وقد رفع الملك حاجبيه مستعجباً من قولها… ثم شرع يقول:
قال الرواة عنها يا شهرزادي: تعد حدائق بابل المعلقة التي هي من عجائب الدنيا السبع.. وسميت معلقة لأنها نمت على شرفات القصور وشرفة القصر الملكي ببابل وذلك حوالي 600 ق. م
-: وما الذي حملهم على جعلها معلّقةً يا مولاي؟
- : قال يا مليكتي: ان نبوخذ نصر صاحب الحدائق المعلقة قام بتشييدها إكراما لزوجته وكان يريد أن يجدد مدينة بابل وذلك لتناسب جمال وفخامة وعظمة زوجته
-: قد كان يُحبّها إلى هذه الدّرجة؟
- : نعم.. ولكن هناك موضوعٌ آخر يا شهرزادي!-
-: ما هو يا مولاي؟
يا: شهرزاد.. يقال أن الملك نبوخذ نصّر اوجد الحدائق كعلامة إحترام لزوجته سيمراميس التي، بحسب الأسطورة، إشتاقت إلى غابات وورود وطنها.. فكانت حدائق بابل المعلقة شهادة على قدرة رجل واحد على خلق واحة نباتية من الجمال.. وسط كآبة منظر صحراوي، ضدّ كلّ قوانين الطبيعة…
-: ما أروع هذا منه يا مولاي!!!-
-: نعم.. وأما البناء فيعد من أعظم الفنون المعمارية التي بلغتها بابل ونينوى وحيث تتصل الطبقات مع بعضها بدرج واسع…
-: !!! وعنما ياتي الربيع!!.. تزهر وتورق الأشجار والورود في هذه الارتفاعات!.. في وسط أجواء الحرارة العالية!.. فتكون هذه الحدائق جنة في الأرض.. تنشر الرائحة العطرة.. والبرودة واللطافة…
-: هذا صحيح.. ولذلك إستحقت أن تكون من عجائب الدنيا السبع.. التي بناها نبوخذ نصر.. لكي تتمتع زوجته بهوائها وجمالها ورائحتها.. ولطافة جوها وخلابة منظرها!!!
-: سلم فوك يا مولاي على هذا الحديث الممتع!!!
-: شهرزاد….
-: نعم يا مولاي شهريار….
-: هل أحدّثك عن أمثال أهل بغداد وحزازيرهم.. لتزدادي إعجابا بي وبأحاديثي!!( ابتسم أثناء قوله هذا السؤال)..
-: وهل تحفظ من الأمثال البغداديّة شئ ايها الملك الذي يملك عقلي ويُخطط لطيرانه منّي..!!
( تبادله الابتسام)
-: نعم.. فاستمعي لبعضها منّي الآن…" ما كل مرة تســلم الجرة" ويقال عندما يتكرر العمل الذي فيه خطورة…!
-: زدني من أمثالهم.. علماً بأننا نحن أيضا لدينا مثلا بنفس المعنى ونفس الكلمات أيضاً…
-: وهناك مثلٌ لا نستعمله.. وهو .. "صاح العود ، في الحضرة..يا داود"..
وكذلك يوجد العديد الأمثال مثل " المناصب تنصيب لا تخليد"
و" الأمر لا يخفى وإن كان مستورا "
و " بين الليل والنهار عجائب"
و " لا ينبغي الهزل في وقت الجد "
وغيرها الكثير… فكما تعلمين.. الأمثال هي وليدة تجاريب التعامل بين الناس…
-:عم مولاي الفيلسوف الذكيّ.. ولكنني أرغب بمعرفة بعض الحزازيرالتي يلقونها العراقيون على بعضهم في ليالي السّمر والتّسلية.. فهل تحفظ منها شيئاً؟؟
-: نعم أيتها الشّغوفة بالحزازير والأزاهير….
-: إذن… فهاتَ لنرى إن كنت أستطيعُ حلّها.. يا وردة عمري وحياتي…
-: هذه واحدة فاستمعي: ( وآكـلة بغير فم و بطـن
لها الأشجار والحيوان قـوت
متى أطعمتها انتعشت وعاشت
ولو أســـقيتها ماء تموت)
-: دعني أفكّر قليلاً أيها الملك…
-: فكّري وهل امسك عقلك عن التّفكير انا يا شهرزاد؟!
-: نعم!! عرفتها!… إنها النار!…
-: أصبتِ… وإليك واحدةٌ أخرى:
(خليلان ممنوعان من كل لذة.. يبيتان طوال الليل يعتنقان.. هما يحفظان الأهل من كل آفة
وعند طلوع الفجر يفترقان)
هيا أجيبي..(تقول شهرزاد وقد احمرّ جهها…)
-: لا لا!!… لن أجيب على مثل هذه الحزّورة المحرجة….
يضحك شهريار بصوته العالي الجهور… ثم يقول لها.. لا: لا تخجلي من شئ لا يخجل..
-: بل هو مخجلٌ جداً…
-: شهرزاد…. هل لم تعرفي الجواب؟
-: لا أريدُ أن أعرفه…
إ: إنهما (( مصراعا الباب)) أيتها الحمقاء..ههههههههههه!!!
-: هههههههههههه!! مصراعا الباب؟!.. نعم والله… ههههههههه!!!…إذن لننتقل إلى طعامهم وما يتميّزون به من أطباق.. أخبرني بما تعرف بهذا الخصوص يا مولاي؟
-: الطعام يا مولاتي الذي كان متداولا آنذاك في بغداد.. هو الذي كان البغداديون يستعملونه في الطبخ او الحلويات او الفواكه..
ومنها الفواكه والخضر كالتفاح - الخوخ - العنب - المشمش - الزيتون - الرمان - الخيار النيلي، الدهن الحر - دهن النارجيل،
: جميل….!!!
-: أما المشروبات فكانت ماء الخلاف (المذاب به السكر والثلج) - شراب ماء البنفسج - شراب ماء التفاح - شراب السكر المكرر…
-: والأطباق والأطعمة؟؟
-: أما الأطباق فهي مثل أطعمتنا الدارجة يا شهرزاد..إلا ان هناك بعض الأسماء المختلفة مثل – الزردة..واما الباقي فلا يختلف عنا كالفروج المحشي بالفستق.. العدس - الرز - الشوربة - اليخني - الزردة - حب الرمان - اللحم - الدجاج المشوي - الخروف المشوي - - الخبز الأبيض - السمك المقلي - المعاجين - الجبن - الملح والزعتر - الثرائد – الطيور… ناهيكِ عن لقمة القاضي وبقيّة الحلويات!!!
-: ما أبدعك في وصف الأطعمة يا مليكي… اني أشعر أنّي جائعة جداً.. وسآمر بإعداد الطعام لنا… فما رأيك؟؟
-: نعم.. وأوصيهم بوضع الورود على المائدة ههههه
لأنك إن نسوها لا يهنأ لك عيشٌ ولا جلوس…!! ههههههه!!!
-: هل يجرؤون على نسيان الورد الذي أحرص على وضعه لتقع عليه عينا ملاكي ومليكي شهريار هههههههه!؟
( يضحك الاثنان.. ثم تسأله في دلال…)
-: ولكن.. ألن تشيد لي حديقة يشهد التاريخ إبداعها وتكون عربون وفاءٍ منك لهذه العشرة الجميلة؟؟..
: وما كاد يرفح حاجبيه مبتسما .. إلا وقد صحا الديك من غفوته وصااااح.. وأعلن بأن الصُّبحُ لااااح…
فسكت الإثناااان عن الكلاااام المُباااااح…
ههههههههه!
وإلى لقاء آخر وسهرة حلوة مع..
شهرزاد و شهريارعلى فكرة.. تتبع الصور كل حلقة.. فتابعوها...
تحياتي لكم جميعاً
همس الأثير