أبو عبدالله المدير العام

الأوسمة : 




 عدد المساهمات : 3550 نقاط : 46174 السٌّمعَة : 6 تاريخ التسجيل : 30/10/2010
 | |
أبو عبدالله المدير العام

الأوسمة : 




 عدد المساهمات : 3550 نقاط : 46174 السٌّمعَة : 6 تاريخ التسجيل : 30/10/2010
 | موضوع: رد: بلاغة اللفظة القرآنية الأحد أغسطس 07, 2011 4:22 pm | |
| لفظتي [غلام- ولد]
فلقد وردت هاتان اللفظتان في سياقين متشابهين ومتتاليين في سورة واحدة،
حيث أوثرت اللفظة الأولى (غلام) في قوله جل شأنه عن سيدنا زكريا عليه السلام
( فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) آل عمران
وأوثرت اللفظة الثانية (ولد) في قوله تبارك وتعالى بعد ذلك ببضع آيات :
( وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) آل عمران
فكل من لفظتي (غلام- ولد) تعني: المولود الذكر، الذي بشر به زكريا ممثلاً في يحيى - عليهما السلام - في السياق الأول، وبشرت به مريم ممثلاً في عيسى- عليهما السلام- في السياق الثاني.
والتساؤل الآن هو :
لماذا أوثر التعبير عن هذا المولود بلفظ الغلام على لسان زكريا عليه السلام
والتعبير عنه بلفظ الولد على لسان مريم عليها السلام ؟!
ينبغي في البداية أن نلاحظ أن كلاً من زكريا ومريم عليهما السلام لم يكن
يتوقع الإنجاب، ومن ثم بادر كل منهما البشارة باستفهام تعجبي، فقال زكريا عليه السلام
( أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ )
وقالت مريم عليها السلام
( أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )
وبالتأمل يتبين لنا أن سبب العجب في الحال الأولى يختلف عن سببه في الحال الثانية،
فعجب زكريا هو من كيفية إنجاب من تعطل لديه سبب الإنجاب
أما عجب مريم عليها السلام فهو من إنجاب من ينعدم عنده سبب الإنجاب أصلاً
وهذا والله أعلم هو سر إيثار كل من اللفظتين اللتين نحن بصددهما في موضعها من السياقين
إذ في إيثار لفظة "غلام" على لسان زكريا ومادتها تدور حول معاني النشاط والقوة إبراز للمفارقة التي كانت فكأنه يتساءل : كيف يتولد من الضعف والعجز حيوية وفتوة؟ !فهذا هومثار عجبه
أما لفظة "ولد " فقد أوثرت على لسان مريم عليها السلام؛ لأن فعل الولادة أو
الإنجاب في حد ذاته كان هو مثار دهشتها أو مرد عجبها في هذا الموقف
إذ كيف تلد من لم يمسسها بشر؟!
والتساؤل الذي يطرح نفسه علينا الآن هو :
إذا كان إيثار لفظ الولد (دون الغلام) على لسان مريم في تلك السورة هو كما رجحنا الآن
أن ولادتها بدون السبب المباشر هي مرد دهشتها ومثار إحساسها بالعجب
( وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ )
فلماذا أوثر لفظ غلام (دون ولد) على لسانها في سورة مريم، وذلك في قوله جل وعلا
( قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ) (20) مريم
لقد طرح تاج القراء الكرماني هذا التساؤل ثم أجاب عنه بقوله :
لقد أوثر لفظ "ولد" في سورة آل عمران لأنه قد تقدمه ذكر المسيح عليه السلام وهو ولدها
في قوله تعالى :( إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) (45) آل عمران
وأوثر لفظ "غلام " في سورة مريم في الآية العشرين لتقدم ذكر الغلام في الآية السابقة
عليها مباشرة وهي قوله سبحانه ( قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ) (19) مريم
ولعلنا نضيف - إلى ما ذكره تاج القراء - وجهًا آخر، وهو
أن ولادة عيسى
كانت في سياق آل عمران مجرد بشرى بشرت بها أمه قبل حدوثها، ومن
ثم كان تركيزها عليها السلام على حدث الولادة في حد ذاته؛ بوصفه أمرًا ليس
لديها سببه، فكان إيثار لفظ "ولد" في هذا السياق
أما في سياق سورة مريم فلم تعد الولادة مجرد بشرى، بل لقد غدت واقعًا تعاني آثاره
( فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) (23) مريم
وظهر وليدها فعلاً على مسرح الحدث : ناطقًا بما يظهر الحقيقة، ويخرس ألسنة
المتقوّلين ومن ثم كانت لفظة "غلام" هي الأكثر ملاءمة في هذا السياق | |
|