من اهم القواعد
1- السيادة للشرع لا للأُمة.
2- السلطان للأُمة.
3- تنصيب خليفة واحد
السلطان للأمة الإسلامية
لا يصبح أحد خليفة إلا إذا ولاه المسلمون:قال تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }[38:42].
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع» [مسلم].
وقال: «فوا ببيعة الأول فالأول» [رواه مسلم]. وقال: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» [رواه مسلم].
وإجماع الصحابة منعقد على أنه لا يتولى أحد الخلافة إلا إذا ولاه المسلمون ذلك. وقد وصل كل من الخلفاء الراشدين الأربعة إلى الخلافة بالبيع. واستخلاف أبي بكر لعمر كان بتفويض من الصحابة لأبي بكر رضوان الله عليهم، ثم بايعه المسلمون.
وقال الإمام علي كرم الله وجهه: (ولعمر لئن كانت الإمام لا تنعقد حتى يحضرها عامة الناس فما إلى ذلك سبيل، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثم ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار) نهج البلاغة: ج2/ص86.
وقال سلام الله عليه: ( إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك رضى، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى) نهج البلاغة ج3/ص7.
وجاء في كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) ج5/ص417: (واتفق الأئمة على أن الإمام تنعقد ببيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم من غير شرط عدد محدد، ويشترط في المبايعين للإمام صفة الشهود من عدالة وغيرها. وكذلك تنعقد الإمامة باستخلاف الإمام شخصاً عينه في حياته ليكون خليفة على المسلمين بعده).
[ملاحظة: الاستخلاف من أبي بكر لعمر كان بناء على تفويض من الصحابة الذين هم أهل الحل والعقد. واستخلاف عمر للستة كان أيضاً بناء على تفويض من الصحابة. وبذلك ينحصر الأمر ببيعة أهل الحل والعقد].
الخليفة لا يكون مطلق التصرف بل يبايع على الكتاب والسنة:قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[51:24].
وقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً}[61:04].
وقال: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }[65:04].
وعن معاذ (بن جبل) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن قال: «كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله. قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد وإني لا آلو. قال فضرب رسول الله صدري ثم قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله» [أحمد وأبو داود والترمذي].
وحين دعا عبد الرحمن بن عوف علياً وعثمان للبيعة قال لكل منهما نيابة عن المسلمين: (أتبايعني على كتاب الله وسنة رسوله وما فعل الشيخان) يعني أبا بكر وعمر.
طاعة أولي الأمر:قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا} [النساء: 59].
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني» [رواه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم وهو يخطب حجة الوداع: «إن أمر عليكم عبد مجدع أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا وأطيعوا» [رواه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: «عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك» [رواه مسلم].
لا طاعة في المعصية:قال صلى الله عليه وسلم: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» [رواه مسلم].
وقال: «لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف» [رواه مسلم].
وقال أبو بكر رضي الله عنه حين بويع بالخلافة: (أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم).
محاسبة أولي الأمر:قال تعالى:{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[104:03].
وقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }[71:09].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» [رواه مسلم].
وقال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم» [أحمد والترمذي].
وقال: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» [أحمد وابن ماجه].
وقال: «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» [رواه الحاكم].
هذا الأمر والنهي للحكام هو محاسبة لهم. وهو فرض من فروض الكفاية. وهو بالقلب وباللسان وباليد، شرط أن لا تشتمل المحاسبة باليد على استعمال سلاح.
وقد حاسب سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ونزل عند رأيهما. وحاسبه الحباب بن المنذر يوم بدر ونزل عند رأيه. وحاسبه عمر بن الخطاب وجمع من الصحابة يوم الحديبية ولم ينزل عند رأيهم [سيرة ابن هشام]. وحاسبت امرأة عمر بن الخطاب في مسألة المهور فقال: (أصابت امرأة وأخطأ عمر) [أنظر تفسير الآية 20 من سورة النساء في القرطبي وابن كثير]. وقال الإمام علي رضي الله عنه: (فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك مني) نهج البلاغة ج2/ص201.
وقال عمر رضي الله عنه: (لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها) يعني كلمة الحق في المحاسبة.
هؤلاء هم خير الناس وسادتهم وكان المسلمون يحاسبونهم، فكيف بغيرهم؟.
الثورة بالسلاح على الحاكم الذي يظهر الكفر البواح:عن عبادة بن الصامت قال: «دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله. قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان» [رواه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع. قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا» [رواه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم. قال: قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة» [رواه مسلم] وعبارة ( ما أقاموا فيكم الصلاة) هي كناية عن تطبيق أحكام الإسلام، وهي من باب تسمية الشيء بأبرز ما فيه.
*
السيادة للشرع لا للأُمة.
فالقاعدة الأولى وهي كون السيادة للشرع لها واقع، وهو كلمة السيادة، ولها دليل، وهو الدليل على أنها للشرع وليست للأُمة. أما واقعها فهو أن هذه الكلمة اصطلاح غربي، ويراد بها الممارِس للإرادة والمسيّر لها، فالفرد إذا كان هو الذي يُسيّر إرادته، ويمارسها كانت سيادته له، وإن كانت إرادته يمارسها غيره ويُسيّرها، كان عبداً، والأُمة إذا كانت إرادتها، أي مجموع إرادة أفرادها مسيرة من قبلها، بواسطة أفراد منها، تعطيهم برضاها حق تسييرها، كانت سيدة نفسها، وإن كانت إرادتها مُسيّرة مِن قِبَل غيرها جبراً عنها كانت مستعبدة، ولهذا يقول النظام الديمقراطي: السيادة للشعب، أي هو الذي يمارس إرادته، ويقيم عنه من يشاء، ويعطيه حق تسيير إرادته. هذا هو واقع السيادة الذي يُراد تنزيل الحكم عليه. أما حكم هذه السيادة فهي أنها للشرع وليست للأُمة، فالذي يُسيّر إرادة الفرد شرعاً ليس الفرد نفسه كما يشاء، بل إرادة الفرد مُسيّرة بأوامر الله ونواهيه. وكذلك الأُمة ليست مُسيّرة بـإرادتها تفعل ما تريد، بل هي مُسيّرة بأوامر الله ونواهيه. والدليل على ذلك قوله تعالى: { فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}، وقوله: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }، ومعنى رده إلى الله والرسول هو رده إلى حكم الشرع. فالذي يتحكّم في الأُمة والفرد، ويُسيّر إرادة الأُمة والفرد، إنما هو ما جاء به الرسول. فالأُمة والفرد تخضع للشرع، ومِنْ هنا كانت السيادة للشرع، ولهذا فإن الخليفة لا يُبايَع من قِبَل الأُمة كأجير عندها لينفذ لها ما تريد، كما هي الحال في النظام (الديمقراطي)، وإنما يُبايَع الخليفة من الأُمة على كتاب الله وسنة رسوله، ليُنفِذَ كتاب الله وسنة رسوله، أي ليُنفِذ الشرع، لا ليُنفِذ ما يريده الناس، حتى لو خرج الناس الذين بايعوه عن الشرع قاتلهم حتى يرجعوا.