تراثنا الدار – الوطن

عبد الحليم أبو عليا

تراثنا الدار – الوطن Thumb_1291803096-6095

الدار، البيت، الأرض، الوطن، مفردات حفل بها لتراث الشعري المحكي الفلسطيني فما العلاقة بين هذه المسميات، وما دلالاتها..؟
في المثل الفلسطيني يقال" اللي ما عندو زرع، ما عندو قع"، أي أنّ الإنسان الذي لا يملك شيئاً لا يملك نتائجه أو ما يترتب على وجوده، فالمرء الذي لا يملك الزرع، لا يمكن له أن يحصد أو يقلع؟ وفي موطن آخر، يقول مثل فلسطيني ((ما يحرث الأرض غير عجولها))، فخير من يعرف الأرض، ويدرك مكامنها وأسرارها هو الفلاح، صاحب الأرض، الأكثر التصاقاً ومعرفة بها، وأكثر دراية بما هي أشد حاجة إليه، والأمر هنا لا يتوقف على الفلاح، بل يتعداها إلى ما يستخدمه الفلاح في حراثة الأرض ألا وهي العجول، وما أشبه الليلة بالبارحة، فالشاعر العربي القديم كان يقول "أحبها وبحب ناقتها بعبري" فهذا التماهي بين الأرض وما تكنه داخلها، وما تحمله على ظهرها، هو سرّ ومعنى الوطن، ويكمه في هذا التماهي والتداخل، ترابط مرئي وغير مرئي، علاقات خفيّة وأخرى علنّية، تتداخل حتى حد استحالة الانفصال.

وفي اللغة المحكية ما يماثلها في اللغة العربي، فالمثل القائل" أهل مكة أدرى بشعابها". العلاقة بين الوطن وأصحابه، أشبه بعلاقة الجنين بأمه، ارتباط كامل، علاقة لا تنفصم عراها، ولكن أحداً من طرفي العلاقة لا يملك تفسيرها بشكل كلي، ولا يملك تبريرها بشكل قطعي، فأياً كانت الأسباب والذرائع المطروحة فهي لا ترقى لأن تكون هي القاطعة المانعة فعلاً، وإنما هي وشائج كثيرة، ملامستها ومقاربتها تكشف عن سهولة ممتنعة، لقد تعددت المفردات التي يشير بها الفلسطيني إلى وطنه، ولكنها أبداً تدور حول معنى السكن والاستقرار، وهي مجتمعة على مقربة كبيرة من النفس الإنسانية، فالدار التي وردت كمفردة في أبيات لا حصر لها العديد من المنشدين والشعراء، هي الوطن بالمعنى الأوسع والأكبر، ولننظر إلى قو الشاعر:
"هاي دار العز واحنا أرجالها"..
الدار التي قصدها الشاعر هنا لا يعقل أن تنحصر بمنزله ومسكنه الخاص، بل تمتد وتخرج من إطارها الحرفي لتدخل الإطار الأشمل وهو الوطن، وفي دلالات ضمير الجمع "نا" ما يوحي بأن الدار المعنية هي الوطن، لا شك في ذلك وفي هذا البيت من الشروقي "يا دار دار لنا دارت على اللي جار والأرض للي زرع واللي صمد فيها" يطلّ ضمير الجمع المتكلم "نا" مرة أخرى ليشير لرديف الدار – الوطن، وليس البيت المجرد، بجدرانه وسقفه، حتى في أشد المعاني ضيقاً، حين يقتصر الشاعر أو يقصر معنى المفردة على دلالتها الحرفية فقط، فإنّه لا يرتكب جرماً، أو يقترف إثماً، فالوطن في معناه الضيق، دار احتضنت أصحابها، جمعتهم، شكلت وعيهم خلّفت ذكريات لهم، بمرّها قوله "يا دار العز جبينا لك نبذل هالروح كرمالك".

فالدار هي موطن العز، وأبناء هذا – الوطن – قولاً وعملاً، على استعداد دائم لتقديم الأرواح، وما غلا من الممتلكات في سبيل رفعة الوطن وعلوا اسمه وشأنه، فكيف تكون الأمور محصورة بجدران أربع، أو تعني المنزل الحقيقي للشارع! إننا في ظل بحثنا عن تجليات الوطن في التراث، نقول بصراحة، قلما نجد لوناً تراثياً محكياً يكون مجرداً من رائحة الوطن وهمومه بآماله، وآلامه، بشجونه، بوصلة وفراقه، إنها الوطن الغائب الحاضر، والحاضر الحاضر، لا غرابة في ذلك.
فالعلاقة الوثيقة بين متلازمين لا ينفصلان، حباً، فرحاً، ترحاً، بين الوطن وصاحبه، لا تملك التعليلات البادرة تفسيرها، فالوطن، بأعشابه، بشجرة، بزهره، وثمره، بجبله، وتله وواديه، حاصر على الدوام في أذهان وقلوب وعيون أبنائه، رائحة الوطن تفوح – لا محالة – من خلال كلمات الشاعر، لسان حال الشعب.
ربما يقول قائل: هل هذا الترابط في شكله الظاهر، انعكاس لدفع الشعور بالانفصال الذي يعانيه الفلسطيني، جرّاء الاحتلال الصهيوني، وعمليات التهجير القسري التي جرت ولم تزل على يد هذا المحتل لأبناء الوطن، نقول، ربما تكون الإجابة بنعم فهيا كثير من الدقة الموضوعية، بالإضافة للضرورات الفنية الشعرية التي تستميل الشاعر للاتكاء على تلك المفردات والتناعم معها، ولقد ظهرت الأرض والدار بشكل بالغ في معظم الأشعار والأغاني والأعمال التراثية، وكأن الحديث عن الأرض معادل موضوعي للحرمان الذي أصاب الفلسطيني، فلازمة " الميجنا" مثلاً، نجدها تتحدث دائماً عن جمال الأرض وحسنها، حيث ربيعها بنفسج فتقول "يا ميجنا.. ويا ميجنا.. ويا ميجنا، زهر البنفسج يا ربيع بلادنا".

وبعدما حلت فجيعة النكبة، وراح الفلسطيني مجبراً، يهيم على وجهه في أصقاع الأرض، وبعد أن "راحت السكرة وجاءت الفكر" كما يقال، أدرك الفلسطيني أن إخراجه من أرضه، كان طويلاً وأن عود العودة التي أطلقتها الجيوش العربية لم تكن إلاّ نوعاً من ذر الرماد في العيون، راح المنشد الفلسطيني يتفجع قائلاً " يا ميجنا.. ويا ميجنا.. ويا ميجنا، أكبر جرمية خروجنا من بلادنا". وهنا نرى أن مأساة النكبة والتهجير القسري، والتشرد الفلسطيني، مجتمعة بدأت تلقي بظلالها على حياة الفلسطيني كما هو الحال في تراثه وثقافته، فالأرض غالية على أبنائها، هذه الأرض الفلسطينية الجميلة بأزهارها، وبما منحها الله من عشب وورد وطبيعة متنوعة، أجل غالية على بنيها، كيف لا وقد عجن ترابها بعرق ودم الفلسطيني صحبها الحقيقي. وفي لون آخر من ألوان الغناء الشعبي الفلسطيني نرى المنشد يتحدث بلسان الأرض والوطن، فيخاطب الفلسطيني قائلاً: " يا ظريف الطول وقف تا أقولك، رايح ع الغربة وبلادك أحسنلك".
"خايف يا ظريف تروح وتتملك، وتعاشر الغير وتنساني أنا".

إذن فحسب الوجدان الشعبي، والموروث، وكما هي طبيعة الأشياء بلاد المرء لا يعادلها شيء ولا يضاهيها غال مهما بلغ ثمنه، والفلسطيني الذي اقتلع من دياره، وعانى مرارة الحرمان من الوطن، وتداخلت المسميات، وانكسرت الحدود. الخارجية والقشور الظاهرية لتصبح المسميات عدداً من الأسماء لمسمى في مجرى واحد، إنّه الوطن، والوطن فحسب!

المصدر : مجلة إلى الأمام

يا محلا دارنا وتراثنا الوطني يا خيي!

يا محلا عيشتهم زمان وربي كان محليها..!

تعالوا شوفوا معي..

((ملامح من وجه تراثنا العريق.. والعيشة اللي كانت هنية))

» حكاية مثل.. (الجار قبل الدار)
» ملامح تبتسم من وجه تراثنا الفلسطيني..!
» ابداع التطريز الفلسطيني - تراثنا
» عرض ازياء وأحاديث من تراثنا الرائع!
» ما أجمل ما يصنع من القش يا تراثنا الغالي!