بسم الله الرحمن الرحيم
الــريــاء والــســمــعــة :
عنون البخاري في صحيحه بهذا العنوان : (( باب الرياء والسمعة )) ، وذكر فيه قوله صلى الله عليه وسلم : (( من سمّع سمّع الله به ، ومن يرائي يرائي الله به )) .
والفرق بين الرياء والسمعة : أن الرياء هو العمل لرؤية الناس ، والسمعة العمل لأجل سماعهم .
فالرياء يتعلق بحاسة البصر .
والسمعة بحاسة السمع .
قال الحافظ ابن حجر : (( المراد بالسمعة نحو ما في الرياء ، لكنها تتعلق بحاسة السمع ، والرياء بحاسة البصر )) .
فالتسميع على هذا لا يكون إلا في الأمور التي تسمع كقراءة القرآن وذكر الله تعالى ، ونحو ذلك .
إلا أن العز بن عبدالسلام يرى أن المراد :
بالتسميع : هو أن يحدّث المرء غيره بما يفعله من الطاعات التي لم يطلع عليها المتحدث .
أما الرياء : فهي الطاعة التي يظهرها الفاعل كي يراها الناس .
وعلى ذلك فالرياء لا يدخل في العبادات القلبية كالخوف والرجاء بخلاف التسميع ، لأن العبد قد يحدث عما يكنه قلبه يريد بذلك ثناء الناس .
يقول العز بن عبدالسلام : (( أعمال القلوب مصونة من الرياء ، إذ لا رياء إلا بأفعال ظاهرة ترى أو تسمع ، والتسميع عام لأعمال القلوب والجوارح ، وقد عد الصوم من الأعمال التي لا تظهر إلا بالتسميع )) .
وقسّم التسميع إلى قسمين :
الأول : تسميع الصادقين ، وهو أن يعمل الطاعة خالصة لله ، ثم يظهرها ويسمع الناس بها ، ليعظموه ، ويوقروه ، وينفعوه ، ولا يؤذوه .
قال : وهذا محرم ، وقد جاء في الحديث : (( من سمّع سمّع الله به ، ومن راءى راءى الله به )) ، وهذا تسميع الصادقين .
الثاني : تسميع الكاذبين ، وهو أن يقول : صليت ولم يصل ، وزكيت ولم يزك ، وصمت ولم يصم ، وحججت ولم يحج ، وغزوت ولم يغز .
فهذا أشد ذنبا من الأول ، لأنه زاد على إثم التسميع إثم الكذب ، فأتى بذلك معصيتين قبيحتين .
وجاء في الحديث الصحيح : (( المتسمع بما لم يعط كلابس ثوبي زور )) .
وقد يجمع العبد بين هذين الأمرين القبيحين : الرياء والتسميع .
يقول العز بن عبدالسلام في ذلك : (( لو راءى بعبادات ، ثم سمّع موهما لاخلاصهما ، فإنه يأثم بالتسميع والرياء جميعا ، وإثم هذا أشد من الكاذب الذي لم يفعل ما سمّع به ، لأن هذا أثم بريائه وتسميعه وكذبه ثلاثة آثام )) .