قراءة في رواية ((الصراصير))

"محمد عبد الله البيتاوي"
مقدمة:
أودّ أن أشير أولاً إلى أنني اطلعت على مقالين يتحدثان عن رواية "الصراصير"، أحدهما للكاتب والصحافي علي الخليلي والآخر للزميل الكاتب عدنان السّمان.

ذكر الخليلي أن رواية الصراصير جزءٌ من ثلاثة أجزاء تشكل معاً "حكاية بلدنا"، وهذه الأجزاء هي: المهزوزون، والصراصير، وشارع العشاق، وأن هذه الأجزاء قد كتبت، كما قال المؤلف، قبل أربعين عاماً تقريباً، ثم كان أن غاب المؤلف، عنها جميعها، دون نشر، حتى تمكن من نشر الجزء الأول في العام 1996، والثاني في العام 2006، والثالث في العام 2007.
وتحدث الخليلي عن ثلاثية البيتاوي في مجموعها، وأنها تصور التاريخ الفلسطيني في فترة محددة، وأن الشخصية المحورية فيها شخصية الحاج حسين، صاحب منجرة في نابلس، حيفاوي الأصل، ومن مناضلي فلسطين القدماء، الذين شاركوا في ثورة عام 1936 في عهد الانتداب.

وبخلاف مقال الخليلي، تركز مقال الزميل عدنان السمان على رواية "الصراصير" ذاتها، مقدماً عدداً من الإضاءات: تصور الرواية تشكيل خلايا المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي للضفة في عام 1967، وأن حوادثها تدور في الفترة الواقعة بين تشرين الثاني 1967 ونشوب معركة الكرامة في 21 آذار 68، وأن هذه الخلايا كانت تتشكل في نابلس وطولكرم ونشاطها في منطقة الأغوار وغيرها، وأن الرواية تعد مرجعاً للبلد في الفترة التاريخية التي تدور فيها حوادثها من مختلف الأبعاد: العسكرية، والسياسية، والاجتماعية والثقافية، والاقتصادية، والأخلاقية، والوطنية.
وكذلك قدم الزميل السمان تعليقات تناولت جميع شخصيات الرواية تقريبا.. وانتقد في الرواية كثرة استعمال العامية، ووجود بعض الأخطاء الطباعية، وكذلك وجود بعض المفارقات أو الاختلافات التاريخية فيها.
إن كلا مقالي الزميلين الخليلي والسمان مهم لفهم الرواية، وسأحاول في نهاية مناقشتي لها تقديم بعض الملاحظات التي تمثل وجهة نظري إزاء بعض تعليقاتهما على الرواية.

Razz

تحليل الرواية

1. الرسالة:
يستلزم الحديث عن رواية الصراصير، وأية رواية أخرى في الواقع، تبيان الرسالة التي تحملها. وأعتقد أن ما تريد أن تقوله شيئان متلازمان، فضلاً عن تصويرها ما ذكره الزميلان بشأنها، وهما:
• إن مدى تقبلية الجمهور لحركة معينة يتوقف على المخرجات العملية الملموسة لنشاط تلك الحركة.
• إن حدة التفاوت الاجتماعي – في المال والسلطة- أرضية خصبة للفساد والرذيلة ووجود الصراصير - العملاء.

وقد نجحت الرواية في تحقيق الهدف الأول: الاستعداد للانضمام على "رجال فتح" والمقاومة الفلسطينية بعامة من خلال ما تبين من حشد الطاقات والسلاح، والقضاء على العملاء، والعمليات التي كبدت العدو كثيراً من الخسائر في فروش بيت دجن وناتانيا، والتي توجتها أخيراُ معركة الكرامة في 21/3/ 1968.

أما الهدف الثاني فيتبين تحققه من خلال الدور القذر الذي لعبه العميل الشاب المخلص في رواية الصراصير، ومن قبله ضابط الأمن العام – نعيم عبد الوهاب – في الجزء الأول من حكاية بلدنا "المهزوزون".
Razz

2. المكان والزمان
تدور حوادث الرواية في الضفة الفلسطينية، نابلس وطولكرم وغيرهما، في الفترة التي أعقبت الاحتلال الإسرائيلي للضفة في حزيران 67، وتمتاز هذه الفترة بمراجعة ذاتية للفلسطينيين لأنفسهم، بعد أن كانت الفترة السابقة منذ نكبة 48 فترة اعتماد أو تماه مع العرب والعروبة، ويتجلى هذا التغير في مركز مع .ت.ف. وحركات المقاومة المتعددة.
Razz

3. شخصيات الرواية
يستلزم الفهم الوافي لشخصيات الرواية الاطلاع على الرواية التي تعتبر "الصراصير" امتداداً لها، وهي "المهزوزون"، إلا أننا نكتفي هنا بإيراد بعض المعلومات والحقائق الأساسية المهمة.
تشتمل الرواية على نمطين أساسيين من الشخصيات: الصراصير، وأعضاء المقاومة.
أما ميزات الصراصير أو سماتهم فأهمها الانحلال الجنسي، إلا أنها تشتمل أيضا على الرغبة غير المسوغة في الحراك الاجتماعي، وعوامل أخرى ذكرها المؤلف في مواقع مختلفة من ثلاثية "حكاية بلدنا".
Razz

وأما أعضاء المقاومة فيمكن توزيعهم في ثلاث فئات:
- الجهاز التنظيمي، ويغلب أن يكون من المعلمين أو المتعلمين.
- الجهاز الداعم، ويتألف من الشيوخ وقدماء المحاربين.
- الذراع التنفيذية، من المهمشين اجتماعيا وغيرهم.

فيما يلي أهم شخصيات الرواية بدءاً بالصراصير:
• كاظم المخلّص
شاب عميل من أسرة ارستقراطية ثريّة، عرفه زملاؤه في الدراسة بمصر بالاستهتار والانحلال، والجري وراء ملذاته الجسدية؛ وقد تابع هذا الانحراف بعد عودته إلى البلد؛ ولم يتورع عن ممارسة الاعتداء الجنسي على عاملة تنظيف المنازل الفقيرة التي كانت تخدم في بيت والدية أحيانا، انتهت حياته بالقتل على يد زوج أحد ضحاياه.

• عبد الدايم النَّماس
أحد الشخصيات المركزية في رواية "المهزوزون" وهو عميل مزدوج للمقاومة وسلطة الاحتلال. ضعيف الشخصية، تهمه مصلحته الذاتية فقط.

من جماعة المقاومة
• الحاج حسين
حيفاوي الأصل، من المناضلين القدماء، انضم إلى خلايا المقاومة في نابلس، وكان له دوران أساسيان: تخزين السلاح والذخيرة في منجرته بالبلدة القديمة، والقيام بالاتصال بين خلايا المقاومة في نابلس، وخلايا طولكرم.

• الحاج سميح
من المناضلين القدماء، رفاق الحاج حسين، مسؤول عن خلايا المقاومة في طولكرم.

• إحسان أنور
المسؤول عن قيادة خلايا المقاومة في البلد، تصفه الرواية بسرعة اتخاذ القرارات وعدم

التراجع عنها.
• عزمي مجاهد
شخصية قيادية، خلف إحسان أنور بعد هرب الأخير إلى الضفة الشرقية بعد انكشاف أمر بعض خلايا التنظيم في نابلس.

• مشعل الرمة
الذراع التنفيذي للمقاومة، في تهريب السلاح ونقل الأخبار وتتبع الصراصير، شخصية غريبة السلوك، يتنكر في هيئة معتوه للتمويه.
ومن شخصيات الرواية الشبابية، المعلم عصام بن الحاج حسين، وهالة المخلص أخت كاظم المخلص، وإخلاص بنت أمين مختار الأرستقراطي، وسليم المحمود الموظف في البلدية وغيرهم.
Razz

الأحداث:
تجري أحداث الرواية في مسارين مختلفين، لكنهما متقاطعان في أكثر من موقع:
الأول العمل الفدائي الذي يتضمن تهريب السلاح والذخيرة، وتشكيل الخلايا، وتصفية الصراصير.

والثاني هو قضايا الزواج والجنس وما إليها.
والواقع أن الرواية تشتمل على عدة مواقف حرجة ومثيرة – أو حتى حابسة للأنفاس – منها على سبيل المثال، في المسار الأول اصطدام مهربي السلاح (مشعل وخليل الراعي) بدورية إسرائيلية في الغور، وقد تم حلَّ الإشكال كوميديا من خلال منازلات كلب خليل الراعي المسمى شمشوم بكلية الدورية لاسي.

وفي المسار الثاني تؤلف قضية إخلاص بؤرة صراع شديد، حيث يريد والدها البطريركي السلوك تزويجها من كاظم المخلّص – الذي لا يعرف عنه أكثر من أنه شاب ثري جدا – في حين أنها تريد الزواج من حبيبها فقير الحال سليم المحمود الذي رده والدها أقبح رد كأنه ليس من مستوى عائلته، كما أنهاه تعرف حقيقة كاظم المخلص الصرصور ومجونه وعمالته.

يقال الشيء نفسه عن الصراع الأساسي في الرواية، أي الصراع بين خلايا المقاومة من جهة، وسلطة الاحتلال وصراصيره من جهة أخرى؛ وقد تصاعد هذا الصراع أولاً مع مقتل كاظم المخلص، ولكن حلّ العقدة تم من خلال تبين أن زوج إحدى ضحاياه وهو من الساقطين أيضاً، هو القاتل الذي ثأر لعرضه المستباح رغم أنه كان قواداً له؛ بيد أن الصراع وأصل تصاعده حتى بلغ الذروة بعد مقتل الصرصور الآخر الذي وشي بخليل الراعي وتسبب في مقتله، وذلك مع انكشاف أمر خلية المقاومة ذات الصلة؛ مما أدى إلى اعتقال بعض أفرادها، وهرب قائد التنظيم إحسان أنور نفسه إلى الضفة الأردنية، مثلما فعل عادل عبد الرحيم بطل رواية "المهزوزون" من قبله.

يستخدم المؤلف تكنيك التذكر لإضاءة بعض المواقف والأحداث والشخصيات – ربما لمساعدة القارئ الذي لم يطلع على الجزء الأول من "حكاية بلدنا"، كما يستخدم التكنيك ذاته لتقديم صورة بانورامية كاملة عن الحياة الاجتماعية في البلد، في الفترة المحددة بزم الرواية؛ وليس في هذا الاستخدام أو ذاك أي بأس ما دام ويثق الصلة بمجريات الرواية؛ غير إن الوضع يختلف في بعض الحالات القليلة التي يرتفع فيها صوت المؤلف – المثقف أي المنتمي إلى فئة الإنتلجسينيا – منفصلاً عن مجرى الرواية، متجها إلى الحديث عن أمور كالسريالية، أو مسهباً في قضايا أيديدلوجية، أو غير ذلك – وهي حالات قليلة لم تؤثر في تماسك السرد الروائي المشوق.

تستثير الرواية عدداً من المسائل اللغوية، منها على سبيل المثال تسميات الأعلام فيها؛ ويبدو من بعض أسماء الرواية أنها موضوعة بحيث تصف طبيعة الشخصية التي يشير إليها كل واحد منها، كما في السماء: مجاهد، إخلاص، مشعل الرمة، المخلَّص.. إلخ. وهي مسألة يمكن التحقق منها بسؤال المؤلف نفسه عن ذلك.

قبل إنهاء الحديث في تحليل الرواية، أعود لمآخذ الزميل عدنان السمان عليها، وأهمها كثرة استعمال العامية فيها. يلاحظ أن ذلك كان يحدث في حالات الحوار وقلما يرد في سياق السرد وتصوير المواقف. وما من شك في أنه لاستعمال العامية في الحوار مزية إبلاغ الرسالة بفاعلية قلما تقوى عليها اللغة الفصيحة، إذا كان الحديث يدور بين العامة أنفسهم، إلا أن العامية المستخدمة في الرواية ليست عامية شائعة في كل فلسطين، أو العامية المشتركة بين عاميات فلسطين والتي ترد كالحلية الجميلة في ثوب اللغة الفصيحة كما في رواية عزمي بشارة "حب في منطقة الطل" مثلا... بيد أن لاستخدام العامية في الرواية، قيمة توثيقية كبيرة خاصة باللهجة النابلسية نفسها في إطار دراسة اللهجات الفلسطينية، وهو موضوع لغوي مهم.

وأما المأخذ الثاني وهو وجود مفارقات أو اختلافات زمنية في بعض النصوص، فربما كان المقصود من ذلك مقارنة الواقع الحالي لمدنية نابلس التي تعيش حالة الحصار، مع مدينة رام الله؛ ولعل المؤلف لم يكن يقصد ذلك، وإنما كان يشير فقط إلى فترة ازدهار سياحي عرفناها في رام الله قبل نكسة عام 1967.

أتوقف هنا، مكتفيا بالقول إن في رواية حكاية بلدنا، أو الصراصير بوجه خاص، من فرادة الموضوع، وأهميته، ودرامية الموقف استخدام الأدوات البصرية الفعالة في ما يرشحها للعرض المسرحي والذي لا يكلف كاتب السيناريوهات الكثير من الجهد، ويزود المشاهد والسامع بصورة تحليلية لواقع ربما لا يكون مختلفا في جوهره عن الواقع الذي يعيشه الآن.

أمتعتنا اخي ابو عبدالله بهذا التحليل القيم لرواية فلسطينية محضة......... وشجعتنا لقراءتها بأجزائها الثلاثة........شكرا لك اخي

ربنا يحفظك اختي دلال -سعدت لمرورك من هنا

» صور من قراءة القرآن في شهر الرحمة
» لمحبي قراءة الصحف
» التطريز الفلسطيني.. قراءة سيميولوجية..
» ما حكم قراءة القرآن دون تحريك الشفتين ؟‏
» ما الحكمة من قراءة سورة الكهف ؟