منتديات بيت المقدس
url=http://www.herosh.com]مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية 249956653[/url].
.. لأننـا نعشق التمييز والمميزين
يشـرفنا إنضمامك معنا فقم بالتســــجيل الآن بـ منتدى بيت المقدس
منتديات بيت المقدس
url=http://www.herosh.com]مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية 249956653[/url].
.. لأننـا نعشق التمييز والمميزين
يشـرفنا إنضمامك معنا فقم بالتســــجيل الآن بـ منتدى بيت المقدس
منتديات بيت المقدس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


لأننا نعشق التمييز بكل شيئ ...... نقدم هذا المنتدى الشامل لكل شيئ
 
الرئيسيةآخر الموضوعاتأحدث الصورالتسجيلدخول
المواضيع الأخيرة
» طريقة عمل البسبوسة.. كيفية عمل بسبوسة التمر والسادة والقطر فى البيت
مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Emptyالسبت نوفمبر 30, 2019 6:56 am من طرف Ozo

» أدخل لتعرف هل أنت من الفرقة الناجية أم لا؟
مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Emptyالأحد أكتوبر 18, 2015 11:26 am من طرف همام احمدالاحمد

» قصيدة قبل ولادة ابنتي أمل ...
مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Emptyالثلاثاء مارس 24, 2015 8:33 pm من طرف ahmad abusalha

» طواف حول الكعبة المشرفة!
مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Emptyالجمعة مارس 13, 2015 4:38 am من طرف هانىء

» القرآن الكريم في صفحة واحدة !
مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Emptyالجمعة مارس 13, 2015 4:28 am من طرف هانىء

» دع الخلق للخالق --
مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Emptyالخميس نوفمبر 13, 2014 8:42 pm من طرف yousef

» إذا رأيتم المداحين ،
مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Emptyالخميس نوفمبر 13, 2014 8:18 pm من طرف yousef

» أجمل عيون في العالم !!
مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Emptyالخميس نوفمبر 13, 2014 8:08 pm من طرف yousef

» كلمات جميله احببتها لكم !!!!!‎
مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Emptyالخميس نوفمبر 13, 2014 8:01 pm من طرف yousef

» دعارة مخدرات شذوذ جنسي.. فضائح النظام المصري السابق مع الفنانين
مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Emptyالخميس نوفمبر 13, 2014 7:59 pm من طرف yousef

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
تصويت
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 450 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو Ozo فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 7588 مساهمة في هذا المنتدى في 3083 موضوع
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 3 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 3 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 3011 بتاريخ الجمعة سبتمبر 07, 2012 10:55 pm
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

روابط شعبية مشروع القرآن الكريم إذاعة القرآن الكريم فيسبوك تويتر جوجل Youtube الطقس في فلسطين Hotmail Yahoo صحيفة القدس وكالة معا الجزيره

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات بيت المقدس على موقع حفض الصفحات
المواضيع الأكثر شعبية
ذبح الفتيات في الصين
مٓــنّ روائع الكلام!!!!‎
كلمات جميله احببتها لكم !!!!!‎
من روائع الحكم​​​
أجمل عيون في العالم !!
حكمة جميلة ####
قول الحجاج في المصريين
هل تعرف الحابل من النابل؟
عبارات رائعة
مقولات رائعة !!!!

 

 مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبو عبدالله
المدير العام
أبو عبدالله


الأوسمة : مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Images?q=tbn:ANd9GcTgNl4W_xxNjelReMZGBk1xB4LnHKmJDo85ATynJ2j_hgBWgi5i

مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Image

مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Ebda3


مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية 2002


مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Alg7dpic-1888ec73d1


مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية 48
عدد المساهمات : 3550
نقاط : 58144
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 30/10/2010

مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Empty
مُساهمةموضوع: مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية   مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Emptyالثلاثاء ديسمبر 27, 2011 10:15 am




مقدمه

فى صيف العام 1966 بدأت اجمع نصوص الادب الشعبي الفلسطيني ومن ضمنها نصوص الحكاية الشعبية من منطقة رام الله بالتحديد، ومضت سنوات دون ان اتوفر على دراسة الحكاية الشعبية وحدها بل كنت مهتما بجمع مظاهر الحياة الشعبية الفلسطينية كافة ضمن «ارشيف الفولكلور العربي الفلسطيني» ثم اخذت انظم مواد هذا الارشيف بالترتيب الموضوعي الابجدي ليكون نواة «موسوعة الفولكلور العربي الفلسطيني). ولم يكن من الحكمة ان انتظر سنوات طويلة حتى يتم انجاز ذلك العمل الكبير مرة واحدة وهكذا صدرت في العام 1968 دراستي الاولى والتي كانت ضمن كتاب «اغانينا الشعبية في الضفة الغربية من الاردن» عن دائرة الثقافة والفنون الاردنية. ثم كان علي ان اقدم الفولكلور العربي الفلسطينيي هي: الحكاية الشعبية. لقد تضافرت جهود العديد من دارسي الحكاية والذين جمعوا حشدا هائلا من النصوص التي نشرت اما باللغة العربية او بنصوصها العربية والالمانية او الانجليزية والعربية جنبا الى جنب. ومن هذه المجموعات ثلاثة كتب نشرها المرحوم فايز الغول بعناوين: «الدنيا حكايات» و«من سواليف السلف» و«حكايات من بلادي» في العام 1966. كان الاستاذ الغول يعمل مدير لدائرة التربية والتعليم في مدينة نابلس عندما تمكن من اقناع اجهزة التربية في ضفتي الاردن بجمع نصوص الحكاية الشعبية. ونجح في جمع مجموعة هائلة من النصوص نشر منها ستين نصا باللغة العربية الفصحى وحاول ان يتدخل في صياغة النصوص وتعديل بعض اسماء الابطال ونهايات الحكايات. وقد دافع الاستاذ الغول عن نشر النصوص بتصرف بقوله انه كان يهدف الى تحقيق غرض تربوي. وقبيل وفاة الاستاذ الغول كانت لديه نية لنشر مجموعة من النصوص. وهناك امل كبير بصدور هذه المجموعة كأفضل عمل تذكاري لمجهود واحد من رواد حركة الفولكلور العربي الفلسطيني.

ومن النصوص العربية التي اعتمدت عليها في دراستي هذه مجموعتات لطالبين فلسطيين احدهما عمر الساريسي بقسم الدراسات العليا بجامعة القاهرة والثاني غسان الحسن بقسم الدراسات العليا بجامعة عين شمس. وبينما توفر عمر على جمع كافة نصوص الحكاية الشعبية اختص غسان بدراسة الحكاية الخرافية واختار مجموعة منها بعد ان تخلى عن كافة النصوص الاخرى غير الخرافية، وكلا الزميلين عمر وغسان على وشك مناقشة اطروحته الجامعية. وهناك ثلاث مجموعات صدرت بالنصين العربي والالماني في الاعوان 1910، 1905، 1918.
الاولى:
Der dialect der landbevolkerung des mittleren Galilaa..
von W. chritie (zdpv - xxiv), 1901.
والثانية:
Der vulgarhishe dialect von jerusalem. von max lohr.
Gieszen, 1905.
والثالثة:
Volkserzahlungen aus palastina. von hans shmit Dr.
paul kahle.

وقد اخذت نصوص هذه المجموعة من بيرزيت ونشرت في جزئين صدرا في جوتبخن الاول في العالم 1918 والثاني في العالم 1930.

ومن المجموعات المنشورة بالانجليزية مجموعتا هانوور في كتابية:

Folklore of the holy lands. (the sheldon press, london, 1935). storiestold in palestine.

ولقد كان هانوور مهتما بتنوع الديانات والجماعات الاتنولوجية في فلسطين. ولم يقدم هانوور الحكايات الشعبية كما سمعها حرفيا ولكنه صاغها بلغة ادبية تصرف بها وحاول من خلال تصنيفه للحكايات ان يعطي فكرة عامة عن الحياة الشعبية والفكر الشعبي في فلسطين.

ويصادف الباحث الكثير من نصوص الحجكايات عرضا في ابحاث لم تكتب خصيصا بهدف دراسة الحكاية الشعبية ومن ذلك ما نجده في دراسة هايكي بالفا، الاستاذ بجامعةع يودبرغ في السويد، عن اللهجة العربية في الجليل(1) ودراسات الباحثة الانتروبوجية الفلندية د. هيلما جرانكفيست عن الطفولة والزواج والوفاة في فلسطين(2) ودراسات الطبيب لالمقدسي توفيق كنعتان المنشورة بالانجليزية والالمانية في شكل مقالات في المجلات او في كتب مستقلة(3).

وهناك دراسة محدودة الحكايات الشعبية في ارطاس(4) في مجلة:

palestine exploration quarterly.

والتي كتبتها السيدة كراوفوت في العددين 51 و 52 من تلك المجلة.

وان المنهج الذي اتبع في دراسة الحكايات التي اعتمدت عليها هنا هو منهج وظيفي بقصد محاولة استقراء حياةع الشعب العربي الفلسطيني وآماله وتطلعاته وبنيانه النفسي من خلال تفهم المرويات التي ابتدعها وجدانه او انتلقت اليه فتبناها ومنحها طابعه وطرق تفكيره. لقد بدأت دراستي هذه بمدخل فهم الحكاية الشعبية يحاول ان يوضح معالم هذا النمط الادبي في مجال البحث الفولكلوري. ويوضح البناء الفني للحكاية الشعبية ووحدات قياسها وروايتها وفكرة الزمان والمكان كما عكستها النصوص. ثم انتقلت لدراسة صورة البطل في الحكايات وموقعه الطبقي من الجماعات التي ينتمي اليها. وكان لا بد في نهاية هذا الفصل من دراسة تصور الشعب للسلطة والسلطان عبر المأثورات المروية. وفي الفصل الثاني درست حكاات الخوارق وقسمتها الى حكايات الغيلان واحكايات الجن والعفاريت ثم الحكايات المتعلقة بالسحر. وقد حاولت تفسير هذه الحكايات بحيث انني احسست بان الوجدان الشعبي جعل من الغول رمزا لمن تجمعت حوله الكراهية الشعبية، فهو الذي يحجز الكنوز ويمنع الناس من ارتياد المراعي والينابيع ويسرق النوم من عيون الاطفال ويحتجز الفتاة الجميلة برغم ارادتها وارادة قومها ويباعد بين الانسان وبين الوصول الى سر الخلود.

وفى الفصل الثالث حاولت ان أرسم ملامح المرأة في الحياة الشعبية بالاستعانة بواقع صورتها في نصوص الحكايات موضوع الدراسة سواء أكانت هذه المرأة أما أم اختا، امرأة وفيه ام امرأة خائنة، قوية الشخصية ام ضعيفة مستكينة لجبروت الرجل. وفي الفصلين الرابع والخامس استقرأت الحكاية المرحة وحكاية الحيوان بما في ذلك الرمز الذي يستتر وراء شخصية الحيوان الذي تصرف بتصرف الادميين في الحكاية الشعبية. وفي الفصل السادس استعرضت الارث الاسطوري كما تناولته الحكايات التي تناولت حياة الالهة والرسل والانبياء والاولياء الصالحين. وايراً اثبتت مجموعة من النصوص كما سجلت من افواه رواتها الاصليين.

ان الكاتب الحالي، وهو يقدم للقارىء العربي، هذه الدراسة التي تعتبر الاولى من نوعها باللغة العربية، وربما بأية لغة اجنبية، عن الحكاية الشعبية الفلسطينية يأمل ان يكون قد وضع دراسة مبدئية لهذا الفرع من فروع البحث الوفكلوري بحيث تتلوها في المستقبل دراسات اخرى اشمل واكثر احاطة وبعد ان تكون جهود المسح الفولكلوري للحياة الشعبية في فلسطين مناطق جغرافية من فلسطين لم يكن بالامكان ان تمتد اليها يد البحث الفولكلوري سواء أكانت هذه المناطق داخل الوطن المحتل ام عبر مخيمات المنفى في الارض العربية.

مدخل لدراسة الحكاية الشعبية

«لن نستطيع ابدا ان نعرف كنه ونوعية الحكايات التي كانت تروى حول خيام الجنود الذين يحاصرون طروادة، او بين البحارة الذين احضروا ملكة سبأ لبلاط الملك سليمان، ومما لا شك فيه ان العبيد والجموع الذين بنوا الاهرامات الضخمة في صحراء مصر كانوا يختلسون بعض اللحظات ليستمتعوا بالحكايات الشعبية وان الكهان والحكماء كانوا يسلون الملوك والنبلاء برواية الحكايات التيى تزخز بالمغامرات سواء اكانت تلك واقعية ام من نصع الخيال... لكن مما يؤسف له ان معظم النصوص المباشرة عن هذا النشاط الانساني ضاعت عبر القرون»(5). وعل يمدى التاريخ خلفت الانسانية وراءها تراثا ضخما من القصص المختلف الالوان والذي يحسبه لكثير من الناس مجرد مادة مرغوبة للتسلية الممتعة والسمر الشهي، على انه في الحق اكبر من هذا قيمة واعظم خطرا فهو تراث حافل بدلائل التجربة وشواهد الحكمة ومعالم التاريخ، ثم هو الى جانب ذلك صورة واضحة لهذه الانسانية في حقيقتها الاصلية وفي طبيعتها الفطرية وانه لاحفل بالشواهد والدلائل في توضيح هذه الصورة من اي تراث انساني آخر. وحين مرت المجتمعات بالعصور المتعددة منذ ادوار الصيد والرعي الاولى السحيقة الى عصرنا الحاضر كانت تتخذ في كل عصر حضاري انماطا في ملبسها ومأكلها وطرائق التعبير عما في نفسها بالقصص والفنون مما يتفق والمسويات الحضارية التي المت بها وكانت حين تنتقل من دور حضاري الى دور آخر لا تألوا جهدا في الابقاء على ما تراه صالحا من الانماط مما جعل الكثير من هذه الانماط تلتقي في عالم القصص الشعبي عندنا او عند غيرنا م الامم عبر العصور(6).

ولذلك نجد في القصص الشعبي اليوم اكداسا من تراث الاجيال المتعاقبة والعصور الحضارية المختلفة. وليس عجبا ان نجد فيها رواسب الوثنية والسحر والمردة والشياطين والرقي والشعوذات الى جانب الملائكة والانبياء والصديقين وابطال العصور المتأخرة. وهكذا التقت اذواق العصور المختلفة من تاريخنا حول تعبير قصصي شعبي ليست الفصحى التقليدية اداته وليست الكلمة المدونة المحددة الشكل هي الاصل الوحيد لي ادائه. اننا نجد الانسانية وقد نجلت على سجيتها وعلى طبيعتها الفطرية مكشوفة في تلك الالوان المختلفة لذلك التراث القصصي الشعبي حيث تبدو هناك بكل غرائزها ونزعاتها وكل معتقداتها ومقدساتها وتصوراتها واوهامها عن الكون والحياة. نجد الحب والبغض. ونجد الانسان اسير هواه ونجد الناس وكأنهم ذرات صغيرة تتراكض وتتصارع ضمن انظمة الجياة وقوانينها عبر العصور.

لقد كان قص الحكايات من الوطائف الثابتة في مجتمع القرية. وكان للرواية مكانة مرموقة سواء على صعيد الاسرة او الحي او القرية. وقد كانت مكانة الرواية في القبيلة الافريقية على سبيل المثال تصل لدرجة مستشار لشيخ القبيلة وقد تصل مرتبة الرواية الى مرتبة مؤرخ البلاط الذي يحفظ احداث حياة الملك واسرته ودولته. وكانت تقدم للرواية هدايا ومنح تدفعها الاجيال والجهات الرسمية في السلطة.

وما دمنا نتحدث عن الحكاية الشعبية ونميزها عن غيرها من الحكايات المدونة والتي مصدرها الابداع الفردي فيجدر بنا ان نوازن بين دور الرواية ودور الشعب في تأليف الرواية. فاذا كانت الحكاية الشعبية في اول امرها ابداعا فرديا لرواية معين لا نعرفه ولا نستطيع تحديد هويته فانها تصبح بعد تواتر الروايات ادبا جحماعيا لا باعتبار اصلها ولكن باعتبار مصيرها ولانها تعكس الروح الجماعية للجماعة. ويجب ان لا ننسى ان الرواية تعتمد على الذاكرة وان النقل الشفوري يعرض النص الاصلي للزيادة والنقصان. فهناك القصاص الذي يصون حياة الحكاية الشعبية. ويواصل تنميقها ويضفي عليها في بيئة بعينها طابعا شعبيا محببا. وهنا يكمن دور الذاكرة القوية لتجنب ضياع جزئيات من الحكاية وكذلك دور القدرة على التأليف و توفر الثروة اللغوية والمقدرة على الاداء الدرامي. وفي ضوء هذه العوامل تزرداد جزئيات الحكاية الواحدة او تنكمش. لقد ادرك الباحثون حدود الامكانات الفردية ادراكا واضحا وهم يؤكدون اهمية البيئة، فالقصاص سواء في حالة الزيادة ام الحذف يستنير بالمناخ الذي يعيش فيه، فهو يحذف الجزئية (الموتيفة) التي يرفضها مزاج الجماعة ويضيف من عنده جزئية تساير الافكار الدينية والاجتماعية السائدة، ذلك لانه لا يستطيع الانطلاق الا بمشاركة البيئة ولان مادته هي محصلة موروث الجماعة التي ينتمي اليها.

ان تأليف الحكاية الشعبية هو عمل كل من اشتركوا في النقل والرواية وهو في الاصل فردي ولكنه اصبح للجماعة. لقد توارى الفرد وحلت محله الجماعة. ويقول الباحث شارب ان كل حكاية تكون لحظة دخولها حياة الجماعة مجرد اساس، انها غير معروفة المؤلف لان الجماعة الشعبية او لان سلسلة التأليف الجماعي قد اخرجتها على هذه الصورة. لقد ضاع الكثير من النصوص في اثناء التواتر. وهكذا ينشأ الميثور الشفوري في حلقات من الانتاج الفردي.

ويجوز لنا الاعتقاد بان الحكاية الشعبية نشأت اولا على ايدي رواة متأدبين ثم اهملتها الطبقات الخاصة، الا ان العامة تلقفتها واحتفظت بها بعد ان هضتمتها ومنحتها طابعها الشعبي فاستقرت هذه الحكايات في الحياة الشعبية. ومما يشجع على هذا الاعتقاد ان الحكاية الشعبية ما هي الا رافد من روافد الذهنية الشعبية التي ابدعت المرويات القولية والفنون اليدوية الشعبية، وهذه جميعا تنطبق عليها فرضية ان ما تتخلى عنه الطبقات المثقفة تتلقفه الطبقات الشعبية واوضح ما يكون ذلك في ميدان الازياء الشعبية.

وان خيال القصاص الموهوب والمتعة في التشكيل والتزيين، بل القصد الى التعليم احيان، هو الذي غير من شكل الحكاية وجعلها تتخذ صوراشتى على مر العصور.

ان تدوين القصص الشعبي بالفصحى يجعله يتنازل عن قدر كبير من الحرية الشفوية التي كان يتمتع فيها والتي كانت تجعله سلس القياد لكل تغيير او تبديل او ترتيب جديد او حذف أو اضافة او غربلة، وفي هذه الحرية طبعا الكثير من عوامل القدرة على التطور والنماء والتجاوب مع واقع مجتمع هذا الادب. كما ان التدوين بالفصحى يخلق ذلك الجو من الغربة الذي يفصل القارىء والباحث عن الجو الشعبي الاصيل الذي لا يمكن ان تعكسه سوى التعبيرات الشعبية الاصيلة التي استعملها الراوي كانعكاس لظروف بيئته محضة. وكذلك فان مواقف المدون الاجتماعية ومستواه الثقافي الحضاري لابد ان تتدخل في بعض قيم هذه الحكايات التي ينقلها عند قيامه بعملية التدوين سواء اكان ذلك التدخل طفيفا ام عميقا.

وما دمنا في مجال الحديث عن الرواية فلا بد ان نسجل هنا ظاهرة التحرز من الخطأ والخشية من الوقوع فيه. ولذلك لابد من ملاحظة تلك التعابير التي تلقيها الرواية قبل ان تقول اشياء ذات صفة حساسة. فاذا تحدثت عن امرأة خائنة أو رجل قاتل او نحو ذلك... قالت: «على ذمة الراوي والعنب المراوى» أو تقول: «مثل ما قالوا... على ذمتهم.... أنا يا ربي لا أريت ولا شفت». وهنا نحس بأن الراوية تخشى عقاب الله وتتحرز منه. بالتأكيد أنها ليست مبدعة الفكرة وراويتها الاولى وانما ترويها عن الاخرين و«على ذمتهم».

وقد لاقت السير والملاحم عنتا شديدا من القدامى والمحدثين على السواء. اما القدماء فقد وصفوها باكذب حينا ظنا منهم انها تدعي لنفسها كتابة التاريخ الصحيح ووصفوها حينا آخر انها من باب الفكر نفورا مما أبرزته من قيم تناقضت مع اهوائهم.

ويعتقد غالي شكري(7) أن هذا الموقف من الملاحم أو السير الشعبية كان في جوهره موقفا اجتماعيا معاديا للعامة من الناس. وهو الموقف الرجعي نفسه الذي اتخذته اجيال لا حصر لها من اساتذة الادب الرسمي الذين القوا في روع الناشئة عصرا بعد عصر أن فقه اللغة وآدابها المحفوظة بين جدران متاحفهم هي وحدها الادب وما عداها رجس من عمل الشيطان وأتباعه من العامه.

لقد دفع الاحساس بتهديد المدينة الحديثة للموروثات الشعبية نفرا من علماء الفولكلور للحفاظ على عنصر الاستمرار في التراق الانساني. فلقد طغت أجهزة الراديو والسينما والتلفزيون على «مجلس الجدة» الذي كان يحفل بالعديد من الحكايات الشعبية التي تروى للصغار والكبار على حد سواء. ولا ينكر أثر تطور الحياة وتعقدها وشيوع وسائل الترفية والتثقيف الاخرى كالمسرح والمناسبات الاحتفالية وقاعات المحاضرات، الخ. وللنور الذي صار يسمح بالعمل والتنقل على نطاق واسع ليلا أثر كبير في تقلص الفرص المواتية لرواية الحكايات الشعبية، فالظلمة التي كانت تشيع في جو القرية كانت تدفع الناس للتحلق حول راوية وتشجع على الاعتقاد بوجود الجن والغيلان والارواح الشريرة التي تفتك بالانسان. ومن ناحية اخرى فان العلم عمل على كشف الخزعبلات والخرافات والاوهام وعراها من جمهورها الذي اعتاد ان ينصت الى الحكايات التي تغص بمثل تلك الاشياء. وعملت المدرسة من جانبها على اشغال الاطفال في ساعات المساء بواجباتهم المدرسية وصرفهم عن «مجلس الجدة»، بينما كان الطفل في الجيل الماضي الذي يعمل معاونا للحرث «قطروز» أو راعيا يتلهف على الجلسة الى جوار الام او الجدة التي تروي له الحكايات حول كانون النار في البيت وهو يقضي ساعات لراجحة من العمل اليومي المتواصل. هذا فضلا عن ان التعليم وانتشار المطبوعات وشيوع القصة القصيرة والرواية الحديثة التي أخذت تتناول هموم الانسان المعاصر ساعد على أن تستمر لحكاية الشعبية في التقهقر والتواري الى الاحياء الشعبية التي لم تستكمل بعد وسائل الترفية والتثقيف الحديثة.

ومن جهة اخرى فان تقدم العلوم الاجتماعية واتجاه العديد من ميادين المعرفة الى دراسة الانسان العادي في طبائعه وتقاليده الموروثة وفنونه دفع الفولكلوريين للحرص على المخيلة الشعبية »في الحركة الرومانسية الرائدة أبان القرن الماضي في دعوتها الى العودة الى نقاء حياة الريف وتمجيد الحنين الى الماضي والدفاع عن تقاليد الاباء والاجداد». ولما كان عصرنا الحديث هو عصر الانسان الذي تلمس كيانه الفردي في خضم حياته الجديدة كما راحت الامة هي الاخرى تتلمس خصائصها الذاتية المستقلة فقد اصبحت الملحمة او السيرة الشعبية هي انسب الاشكال الادبية الموروثة للقيام بدور همزة وصل بين الماضي والحاضر لما تحمله في تكوينها الايل من سمات المزاوجة بين الخيال الشعبي في مرحلة متقدمة وما يحتاج اليه الانسان الحديث من معنى محدود للبطولة الفردية البعيدة عن أهوال البطولة الاسطورية ولا محدوديتها والقريبة من صفات الامة التي ينتمي اليها بطل الملحمة أو السيرة بكل ما تشتمل عليه من تهاويل الخيال الشعبي. ومن هنا نلاحظ أن الفلوكلوريين أتخذوا عينتاتهم من المأثورات الشعبية «الحية» وهجروا المأثورات الشعبية الميتة لعلماء الاثار واللغة واللحضارة. وذلك يؤكد الاهتمام بالصلة بين هذه النماذج وبطولات عالم اليوم.

ان مصطلح الحكاية الشعبية جديد، لا بالقياس الى الادب العربي وحده، ولكن بالقياس الى الاداب العالمية أيضا(Cool ذلك لان وصف السر القصصي بالشعبية انمكا كان استجابة مباشرة للاحساس بالحاجة الى ضرب من التمييز بين اطار تقصصي أدبي وآخر يتسم بالحرية والمرونة ومسايرة العقول والامزجة والمواقف. والحكاية الشعبية بهذا المفهوم تستوعب انماطا وأنواعا متفاوتة وتستهدف وظائف منوعة وهي عبارة يغلب عليها الشمول وتعوزها. باعتراف العلماء المتخصصين في المأثورات الشعبية. الدقة والتحديد.

ويشمل اصطلاح الحكاية الشعبية ذلك الحشد الهائل من السرد القصصي الذي تراكم على الاجيال والذي حقق بواسطته الانسان كثيرا من مواقفه ورسب الجانب الكبير نم معارفه. وهو ليس وقفا على جماعة دون أخرى ولا يغلب على عصر دون آخر. ولقد آثر العلماء هذا المصطلح لشموله واتساعه ومرونته ونجاحة، لان الابداع الشعبي قلما يخضع للاحكام في الشكل والحرفية والاتجاه. ومن الخير تبعا لذلك ان يميز الباحث الحكاية الشعبية من غيرها بما تتسم به من خصائص: فهي ليست من ابتكار لحظة معروفة او موقف معروف كما انها تنتقل من شخص الى اخر بحرية ولا يزعم احد ان الفضل يعود اليه وحده في اصالتها ويكون هذا الانتقال في الغالب الاعم عن طريق الرواية الشفاهية. وتتسم الحكاية الشعبية بالمرونة التي تجعلها قابلة للتطور بحيث يضاف اليها أو يحذف منها أو تعدل عباراتها ومضامينها وعلاقاتها على لسان الراوي الجديد تبعا لمزاجه أو موقفه أو ظروف بيئته الاجتماعية. ويتحكم في كل عمليات الحذف والاضافة والتعديل وظيفة الحكاية في المجتمع كما يتصورها الراوي.

ان الاشكال الرئيسية للحكايات الشعبية عالمية(9). ومن السهل ملاحظة التشابه القوي بين المحاور الرئيسية وبين الشخوص والوظائف في حكايات مختلف الثقافات من الانسان البدائي الذي كان يجمع الطعام الى الفلاح المستقر ومن الاسترالي الذي لا يزال يحتفظ ببداوته الى المنشد العربي المحترف في الموالد والمواسم والاسواق.

ان هناك فكرة اساسية تراود مبدع الحكاية الشعبية. ويخضع هذا المؤلف منطق الاحداث جميعها في لحكاية لتوضيح تلك الفكرة والوصول الى النتيجة التي رسمها بذهنه. وهو لا يعبأ بواقعية الاحداث بل يسير تلك الاحداث لتحقيق الفكرة. فالرجل الفقير في حكاية «الفقير والغني» يرفض الزواج من ابنة الملك صاحب القصر لان لديه زوجة واطفالا. ان هناك العديد من الازواج الذين تزوجوا اكثر من امرأة. ولكن هذا الزوج لا يفعل ذلك لان الحكاية لم تختط خطة الحديث عن المرأة بل هي ترصد واقعا اجتماعيا معينا وهو رغبة الفقير في ان يصل لمرتبة الغني ويثبت له انه ليس اقل منه شأنا. ولذلك فالبطل في حكاية الفقير والغني برفض الزواج من ابنة الملك ويقبل بالحصول على الادوات السحرية والتي هي اكثر اهمية لبلورة الفكرة الاساسية التي ارادها مؤلف الحكاية وهي ذلك الصراع بين الفقراء والاغنياء.

وتعتمد الحكاية الشعبية اتخاذ اسلوب النقل بالمشافهة مما يجعلها عبارة عن اطارات للاحداث دون ان تهتم بالتفصيلات الدقيقة التي تعطينا صورة دقيقة عن مجالس الطعام والشراب واثاث المنازل. ولا تعطينا هذه الحكايات وصفا للطرق العامة او الممرات داخل القرى والمدن. ذلك لان القصاص يتذكر الخيط القصصي الاساسي ويستعير تفصيلات البيئة المحلية التي يعيش فيها فيسبغها على الطراز الذي يرويه.

وهكذا فقد اتخذت الحكاية الشعبية اسلوب الشكل المفتوح الذي يترك فيه للراوي مطلق الحرية في ان يعبر بما يتلاءم ومقدرته على السرد والتصوير وطابع جمهوره ومستواه النفسي والثقافي. ويمكننا ان نلاحظ ذلك عندما نقارن نسخا مختلفة من حكاية واحدة يرويها عدد مختلف من الرواة. وبينما نلاحظ ان الرواة يحافظون على الخيط القصصي الاساسي في الحكاية فاننا نرى ان التفاصيل الفرعية تختلف كما تختلف التعبيرات اللغوية التي تدل على مواصفات البيئة المحلية. كما نلاحظ ان الاختلاف يكمن في المقدرة على التصوير والايجاز والاطناب ورسم الشخصيات دون مس بجوهر الحكاية.

اما الوصف في الحكاية الشعبية غير المدونة فهو اقل رواء منه في الحكايات المدونة ويعود السبب في ذلك الى ان ذاكرة الراوي لا تسعفه على رسم الشخصيات والبيئة المحلية بالقدرة نفسها التي تتيحها الكتابة للقيام بمهمة كهذه.

ولا بد من التمييز بين عدد من المصطلحات التي تناولت ضروبا من القصص الشعبي. ولنبدأ بالحدوثة.

نشأت الحدوثة مع الانسانية في طفولتها الاولى يوم ان كان الانسان حيوانا جوالا يعيش في جماعة قليلة العدد محصورة الافراد. وعلى هذا الوضع الفطري الساذج عاشت الحدوثة في بيئة الاطفال الصغار وفي حدود ادراكهم ومستواهم وما زالت الى اليوم تجري على وضعها المألوف المتوارث في الاداء والتعبير والغرض. لم تخرج عن النطاق الذي نشأت فيه ولم تتطور. لقد نشأت الحدوثة في اطار التحذير والتخويف من الضرر وتوجيه الاوامر والنواهي لتجنب الخطر. فهي ولا شك اول عمل تربوي عرفته الانسانية منذ بدأت تحس بكيانها الانساني في هذا الوجود. ان كل شيء في الحدوثة يتكلم: الحيوانات والافاعي والطيور وكذلك الاشجار والاحجار والاعاصير. حتى الجن الذي لا يرى والمارد الذي هو من صنع الخيال. وهذا لا شك اثر من اعتقاد الانسان في حياته الاولى يوم كان يعيش مع الطبيعة وجها لوجه. اذ كان يرى هذه الكائنات والاشياء تتحرك وتقتل وتفتك وتعيق سيره في الطريق وتضايقه في شؤون الحياة فيعتقد انها حية لها ارادة وفيها قدرة النطق وحرية العمل مثل الانسان، فيحاول ان يتغلب عليها بالقوة ان استطاع والا فبالحيلة او بالترضية او بالهرب منها. وهذا امر مألوف في منطق الطفولة الى اليوم، فاننا نرى الطفل اذا ما عثرت قدمه بحجر انهال على الحجر شتما وركلا وكأنه طفل مثله ينتقم منه ويرد الاساءة اليه. واذا نبحه كلب مثلا قذفه بحجر ولا ترضاه بقطعة خبز. ان الحدوثة هي انعكاس لخوف الانسان من الطبيعة المخيفة والمرعبة، ولذلك نرى ان ابطالها هي من الوحوش المفترسة والجن والاشباح والافاعي. ويعتقد الباحث الانجليزي هـ ج ويلز ان الخشية من الرجل المسن كانت بداية الحكمة الاجتماعية والسلوك التربوي، اذ بدافع هذه الخشية بدأت الامهات تغرس في نفوس الابناء الصغار احترام الرجل المسن وتقديره وتحذرهم من البعث بأشيائه او الجلوس في مكانه كما هو الشأن اليوم، اذ نرى الامهات يحذرن الابناء من ان يلمسوا غليون الاب او ان يجلسوا في مقعده. ويرى ويلز في ضوء التحليل النفسي الحديث الطويل ان الرجل المسن كان يستبد به الحنق على الذكور الصغار لانه يرى فيهم خطرا على سلطاته ومزاحمة لمكانته في الاسرة، فكان يلجأ الى العنف معهم والقسوة عليهم. وكانت الام على النقيض من ذلك، فهي اشد انسانية والفة واكثر ترفعا وانسجاما. فكانت تدرب اولادها على طاعة الرجل المسن وتغرس في نفوسهم الخشية والمهابة له وتهمس في آذانهم دائما بالنصح والتحذير وكانت الحدوثة وسيلة لذلك النصح وذلك التحذير. وهكذا فان ويلز يعتقد ان الحدوثة نشأت على لسان المرأة وانها استعملتها انصح الصغار وتسليتهم ومساعدتهم على النوم. ولعل الرؤى والاحلام كانت من اكبر العوامل التي ساعدت الانسان في القدرة على الرواية والقص وتخيل الصور والوقائع، وبخاصة تلك الاحلام الثقيلة التي يسمونها الكابوس والتي تحدث نتيجة ما كان يتناوله الانسان من طعام غليظ ثقيل ولما يعانيه في بيئته من المخاوف والشدائد والاهوال المفزعة.

اما الحكاية فهي من المحاكاة او التقيد وهي ترتبط بمحاكاة الواقع او على اقل تقدير بمحاكاة واقع نفسي يقتنع اصحابه بحدوثة. وهكذا فان الحكاية هي استرجاع للواقع او ما يتصور انه بوساطة الكلمة وهي تصوير لحدث ولا بأس من التوسع في التصوير توسعا يسبغ على الواقع الجمال والتأثير. وقد برز مصطلح الحكاية في الادب القصصي وتزحزح عن مجرد الاخبار بالواقع الى الايهام بحدث قديم مرت الدهور عليه، او واقعة في مكان قديم عن المخبر ولا بأس من التوسل بالخيال لبلوغ التأثير المنشود. وارتبطت الحكاية بعد ذلك بأنواع من السرد تبعد عن الصدق التاريخي في بعض الاحيان وتقوم بوظيفة التسلية والترفيه(10). لقد كانت الحكاية طورا جديدا في حياة الانسان القصصية نشأت مع الانسان الناضج في حياة المدينة ذات الجماهير الفقيرة وذات المتاعب والمصالح المشتركة المتشابكة وبعد ان اكتمل الاداء اللغوي عند الانسان ونضجت فيه القدرة على السرد والنقد والملاحظة الشخصية واصبح يملك قدرا كبيرا من الذكاء البارع يساعد على تزجية ما لديه من نقد او ملاحظة في اسلوب قصصي مدهش يقوم على المحاكاة.

لقد عاشت الحكاية الشعبية وسط بيئة ثقافية اكثر تقدما من المرحلة السابقة وهي متصلة بأحداث وافكار في الازمنة القديمة. وموضوعاتها تجارب واحداث شخصيات انسانية مجهولة. وهكذا نشأت الحكاية الشعبية على امتداد الحدوثة مرحلة ثانية في حياة الانسان القصصية بعد ان نمت قدرته على السرد والتخيل والمحاكاة والتعبير. وبعد ان كثرت مصالحه ومطالبه في مجتمع تعددت افراده وجماعاته وصارت له تقاليده واوضاعه الخاصة.

ان الحكاية صورة اجتماعية اكمل واشمل من الحدوثة وان موضوعها اوسع نطاقا وارحب مجالا فهي اسلوب اجتماعي هدفه الاصلاح والتقويم والتوجيه والموافقة في مجال الحياة. وعلى هذا نجد فيها النقد اللاذع والسخرية المرة والفكاهة الضاحكة اللاذعة. كما نجد فيها اثارة العبرة الرادعة او القدرة النافعة او الاقناع بحقيقة الواقع الاليم الذي تتحاشاه النفوس. ومن الطبيعي ان تكون الحكاية دائما تلاحق المجتمع في تطوره في اتساع نطاقه وتعدد اغراضه وتنوع مصالحه لا تقتصر على ناحية من نواحي هذا المجتمع او تقف عند جانب من جوانبه بل تشمله من جميع النواحي والجوانب. وفي اسلوب المعيشة وفي اسلوب التعامل والتواصل بين الافراد والجماعات وفي الدين ولتدين وفي الحكم واسلوب الحاكمين ومعاملتهم للمحكومين حتى في النواحى الشخصية المستورة من حياة الناس. وبهذا التفاعل مع احداث المجتمع كانت الحكاية وعاء لكثير من احداث التاريخ.

والحكاية مثل الحدوثة تتخذ في كثير من الاحيان من الحيوانات والحشرات والطيور من الجن والعفاريت والشياطين فتحركهم كما تريد وتستنطقهم بما تريد ولكن الحدوثة تعمد الى هذا بقصد اثارة الدهشة او التخويف او التشويق عند الاطفال. اما الحكاية فانها تتخذ من هذا وسيلة للرمز والتخفي وراء هذه الشخوص المستعارة. فقد تكون الحكاية نقدا لحاكم متسلط او تحقيرا لعدو غاشم او تشنيعا لظلم واقع او تنديدا وسخرية بحالة من الغفلة والبلادة شائعة بين بعض الطرائق. وهذا اللون من الحكايات يكثر ويروج في عهود الظلم والطغيان وفي فترات التاريخ القاسية التي تعاني فيها الشعوب والجماعات من الكبت والحجز على الحريات والارزاق.

وننتقل الى مصطلح الاسطورة: يقصد بالاساطير اساطير الخلف واساطير الالهة والابطال وانصاف الالهة. وتكمن اهمية تلك الاساطير في كونها شكل من اشكال الديانات والتفكير الروحاني للانسان ومحاولة تفسير الظواهر الطبيعية والتوصل الى معرفة كنه الكون واصله (11).

تنتمي الاسطورة للمراحل البدائية الاولى للفكر الانساني وهي تفسير معترف به لبعض الظواهر الطبيعية او بعض المشاكل المنسية او المجهولة والتي تتميز بنسبتها للانسان او لحدث عميق التأثير.

ويعرف سير جورج لورنس جوم الاساطير بأنها العلم البدائي والعقائد البدائية في تفسير اصل الانسان والشمس والقمر والنجوم والارض والاشجار. وجاء تفسيرها على انها من خلق قوة اكبر من البشر او على اي حال بواسطة قوة عظمى ذات مواهب خاصة تنتمي لمملكة المجهول. وبما ان المجهول هو المخيف فقد تساوى من هذه الزاوية العلم البدائي مع العقيدة البدائية.

يسأل البدائيون انفسهم: من اين جاءت السماء؟ وكيف كونت الرياح والشمس والقمر والنجوم والبحر والانهار والجبال وكل الظواهر الطبيعية المختلفة؟ والواضح انهم يجيبون بأسس منطقية سليمة مبنية على علم ناقص. فكل ما يمتلكون من علم هو المبني على حواسهم المادية. وعلى ذلك فانهم عندما يطبقون هذا العلم على مواضيع خارج مجالهم الشخصي فانهم يحللونها بأسس نابعة من تكوينهم الشخصي.

وفي الارث الاسطوري نبدأ بمشاهدة صراع اقدم اسلاف الانسان لمعرفة المجهول. وافضل انواع هذا القسم من الاساطير هو اسطورة بدء الخليقة ونشأة الكون. ففي كل مكان وزمان تقريبا توقف الانسان وانتحى جانبا وسأل نفسه من اين جئت؟ والاجابة التي توصل اليها هي اجابة داروين بالنسبة لعصره. وهكذا يمكن ان نسمي الارث الاسطوري بأنه ذلك الذي يضم كل ما هو اكثر ايغالا في التاريخ من ان نستطيع نسبته لشخصيات تاريخية. واكثر بعدا عن الواقعية من ان نستطيع ربطه بأحداث تاريخية. واغلب الظن انه يتكون من التفسيرات التي قدمها الفلاسفة البدائيون لاحداث تخرج عن ادراكهم الانساني في هذا الحين ومع هذا فرضت عليهم واحتاجت منهم التفسير.

ولا ينتمي الارث الاسطوري لاي من اجناس البشرية بل ينطبق عليها كلها. فهو منقول عن الهندوس والاغريق والسلاقيين والتوتونيين والكلتيين والساميين والبرابرة وهو يرجع زمنيا الى مرحلة من التاريخ الانساني ليس لها من مرجع سوى المنقول شفاها ولا يوجد لها اي تسجيل معاصر وفيها كانت اسلاف الشعوب المنفصلة حاليا عن بعضها يعيشون سويا وكانوا يصارعون للخروج من مقام العبيد المطيعين لكل المخاوف التي غرستها فيهم الظواهر الطبيعية المجهولة الى موضع المراقب العام بقوى الطبيعة.

لقد تأثر الانسان بظاهرة الموت وادى به ذلك الى القيام بعبادات ومراسيم يقوم بها تقربا او اتقاء لاله الموت. ثم نتج عن ذلك اعتقاد هذا الانسان في خوارق تختص بالقوى التي لا يراها وانما يرى آثارها عندما يموت شخص او يشفى آخر. وقد لاحظ الانسان ان القمر ينقص ويزيد وان الشمس تكسف احيانا ولاحظ كيف ان المطر يحبس في بعض السنين. وقد ادت مثل هذه الاشياء الى دفعه الى الاعتقاد بوجود القوى الخارقة اي الالهة. وقد انشأ الانسان حول هذه الالهة قصصا ساذجة اول الامر ثم تعقدت هذه القصص بتعقد الخيال والذي اصبح قصصا رائعة على مر العصور. ثم جاءت الديانات الكبرى فاحتضنت القصص واخضعتها لمزاجها.

كان للتوحيد اثره في انحدار عدد غير قليل من القصص من مقامها الديني الى ميدان القصص. لم تهرع هذه القصص الى ميدان القصص راضية مسرعة، فلئن كان من السهل قلب النظام السياسي في نفوس الشعب في ايام او ساعات فان قلب ما يؤمن به الشعب من اصعب ما يكون ومن اكثر الاشياء تطلبا للزمن والرفق والهوادة. فعاشت الخوارق واخبارها في اوساط الناس الذين لم يبلغوا بعد طورا معينا من اطوار الرقي العقلي.

ويقول السير جورج جراي عن تقاليد الماوري التي قام بتجميعها ان الكاهن الوثني كان يشرح الميراث الفكري وان «مدرسة الميثولوجيا والتاريخ» كما يسميها جون وايت في كتابه «التاريخ القديم الماوري» هي (واري - كورا) او المدرسة المقدسة التي كان اولاد الكهنة الكبار يتعلمون فيها اساطيرنا الدينية وتاريخنا. وكان واجب الكهنة الاشراف على القاء الارث القديم بطريقة دقيقة. وهنا نلاحظ ان المراجع الهندية الامريكية لقبائل الايروكوا تحكي عن كيفية القاء الزعيم للاساطير على الشعب في مكان دائري مفتوح وسط الادغال حيث كان يوجد حجر على شكل عجلة يخرج من تحتها صوت يروي قصة العالم القديم.

لقد ظلت الاساطير تثير اهتمام الصفوة من المثقفين في ارجاء العالم الذي تأثر بالفكر الهيليني. ورأى بعضهم ان اسماء الالهة التي اوردها هوميروس انما تمثل الملكات الانسانية او العناصر الطبيعية، ورأى البعض الاخر ان هذه الاساطير عبارة عن رموز ومجازات لقوى ومثل ومعان. ولم تعد الالهة عند هؤلاء غير مبادىء اخلاقية ونواميس طبيعية. وظهر هناك اتجاه عقلاني لتفسير الاساطير ذهب الى ان الالهة كانت في الاصل طائفة من الملوك الاقدمين بلغوا من المكانة والسلطان وبعد الصيت حدا جعل الناس يؤلهونهم فيما بعد. وبذلك اصبحت الاساطير تمثل الذاكرة الانسانية المشوشة او التصوير الخيالي للملوك في عصور سحيقة غلبت عليها البداوة (12).
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://baitalmaqdes.ahlamontada.com
أبو عبدالله
المدير العام
أبو عبدالله


الأوسمة : مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Images?q=tbn:ANd9GcTgNl4W_xxNjelReMZGBk1xB4LnHKmJDo85ATynJ2j_hgBWgi5i

مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Image

مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Ebda3


مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية 2002


مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Alg7dpic-1888ec73d1


مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية 48
عدد المساهمات : 3550
نقاط : 58144
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 30/10/2010

مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية   مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Emptyالثلاثاء ديسمبر 27, 2011 10:18 am


وتعني الاسطورة بالنسبة للانسان القديم او البدائي انها قصة لها مكانتها الرفيعة في حياته. وهو ينظر لها نظرة تحمل معاني القدسية، فهي في الثقافة البدائية تعبر عن العقيدة وتذكيها وتقننها وتصون الاخلاق وتدعمها وتبرهن على كفاءة الطقوس وتضم قواعد عملية لهداية الانسان. وكذلك فهي تروي تاريخا مقدسا وتسرد حدثا وقع في عصور ممعنة في القدم.. عصور خرافية تستوعب بداية الخليقة.

تحاول الاسطورة ان تحكي لنا بواسطة اعمال تقوم بها كائنات خارقة كيف برزت الى الوجود حقيقة واقعة وقد تكون جانبا من الحقيقة او ضربا من السلوك الانساني. ان الاسطورة بهذا المعنى هي قصة وجود ما... فهي تروي كيف نشأ هذا لشيء او ذاك. انها تصور خارق للواقع وتقترن بالطقوس فهي حكاية اله او شبه اله او كائن خارق تفسر بمنطق الانسان البدائي ظواهر الحياة والطبيعة والكون والنظام الاجتماعي وأوليات المعرفة وهي تنزع في تفسيرها الى التشخيص والتمثيل والتجسيم وتنأى بجانبها عن التعليل والتحليل وتستوعب الكلمة والحركة والاشارة والايقاع وقد تستوعب تشكيل المادة.

وبهذا المفهوم نلاحظ ان الاسطورة التي ينظر اليها اليوم على انها قصة حارقة للعادة كانت في يوم ما وعند شعب من الشعوب عقيدة دينية راسخة. ولكن مع الزمن يتعرض المجتمع للتطور ويتغير الدين الرسمي بفعل ذلك التطور وتجد عناصر ثقافية جديدة اقوى فينفرط عقد الاسطورة الاولى وتنحدر من عليائها حيث كانت تمثل العقيدة الدينية البائدة وتنحدر الى سفح الكيان الاجتماعي او ترسب في اللاشعور وتظل على الحالين عقيدة ثانوية او ضربا من ضروب السحر او الممارسة غير المعقولة او الشعيرة الاجتماعية، وكثيرا ما تتحول الى محاور رئيسية تعاد صياغتها في حكايات شعبية. وهكذا فان الاسطورة تشبه المادة في انها لا تكاد تفنى او تنعدم وانما تتعدل صورها واشكالها ومضامينها ووظائفها او تكمن في اعماق النفس الانسانية وتؤلف ذلك الحشد الهائل غير المنظم من العقائد الثانوية والرواسب والاوهام والخرافات.

ان المقارنة بين الاسطورة والحكاية الخرافية الشعبية تكشف اوجه الشبه والخلاف وبالتالي تعطينا الفرصة لاصدار الحكم النهائي على مدى العلاقة بينهما، فالاولى تبحث في حياة واعمال آلهة وانصاف آلهة، والثانية تتناول حياة ملوك وشخصيات انسانية بحتة. ولنأخذ العنصر الرئيسي في الاسطورة ألا وهو البطل ونجعله موضع المقارنة. فالبطل هو نصف اله من ام من البشر يغتصبها اله متنكر في صورة حيوان على الاغلب او ان يكون ثمرة علاقة محرمة بين اله وابنته او اخته وهكذا. وتتم ولادته بطريقة غير عادية اما عن طريق الانبثاق من جسد الاله كما جاءت اثينا من رأس زيوس وديوينسيوس من فخذه او عن طريق عملية قيصرية. ويتعرض البطل - الطفل - للتشرد وذلك للخلاص منه اما بسبب ابيه الذي ينذر عن طريق الحلم بخطر وجود ابنه على حياته او بسبب امه التي تخشى العار والافتضاح. ومن اشهر طرق التخلص رميه بسلة في البحر. وتتم تربية الطفل على يد حيوان او مخلوقات اسطورية. ثم يكتشف البطل عن قوته وشجاعته في سن مبكرة ولو انه يتظاهر بالسذاجة والبلادة. وتظهر منعته الخارقة ومقدرته على قتال التنين او الوحوش الاخرى ثم بعد ذلك يحصل على عروس بعد قهره للمخاطر ويقوم برحله الى العالم السفلي ويعود الى بلاده الاصلية وينتصر على اعدائه. واخيرا يأتي دور وفاته.

وعند مقارنة هذا النموذج لحياة بطل الاسطورة بحياة بطل الحكاية الشعبية الخرافية يلوح هذا الاخير مجرد نسخة ممسوخة عن الاول، فهو وان يتشابه مع البطل الاسطوري في انه لا يقوم بالاعمال الخارقة بسبب من قوته او منعته شأنه في ذلك شأن البطل الاسطوري وانما يفعل ذلك اما بسبب الصدفة او ضربة الحظ او بمساعدة السحرة او الحيوانات الناطقة او العمالقة او الاقزام الذين اما ان يسخروا لخدمته او لانه قدم لهم خدمة عرضية كانت لهم جوهرية. ولا يموت بطل الحكاية الخرافية مهما كانت الصعاب التي تعترضه بل يحصل اخيرا على الفتاة او الاميرة ويتزوجها ويعيش معها عيشة سعيدة بفضل الكنوز التي تعود للاميرة او التي يكسبها هو بعد سيطرته على خصومه السحرة او الغيلان... الخ. ويبدو الاختلاف بين البطلين ظاهريا محضا(13) فما الحكاية الخرافية الا ابنة شرعية للاسطورة وان زادت تعقيدا بسبب من تعقد الحياة وتطورها وان هذا التعقيد والايغال في الرمزية هو الذي يكسبها هذا الشكل الساذج ظاهريا.

وتتشابه الحكايات الشعبية في العديد من الجزئيات (الموتيفات) المشتركة التي ترد في ثنايا الحكايات. ولذلك كان لا بد من البحث عن وحدة اصغر من الحكاية الواحدة المتكاملة، وقد اصطلح على تسمية هذه الوحدة بالموتيفة (motis)او الجزئية. وهكذا تكون الجزئية هي اصغر عنصر في القصة الشعبية لها القدرة على الاستمرار. وهي الجزىء المتكرر والمستمر الحامل لمعنى او قيمة ثقافية والذي يدخل في تكوين الشكل او المحتوى لمختلف انواع الانتاج الثقافي. ونحن نقول مثلا عن وحدة التطريز المتكررة في الزي الشعبي جزئية او موتيفة. والشيء نفسه يقال عن اصغر وحدة متكررة في رسوم الوشم او زخارف اطباق القش او رسوم الجدار... الخ.

والموتيفة - الجزئية - في الحكاية الشعبية هي اصغر عنصر روائي له المقدرة على الاستمرار خلال الزمان والمكان كجزء من التقاليد في ثقافة معينة وتعتمد هذه الصفة الاستمرارية على قدرة افراد المجتمع وحفظ هذه المادة الثقافية على مر الايام ثم قدرتهم على تمكين الاجيال التي تليهم من اكتساب هذه المعرفة وما يرتبط بها من قيم وذلك عن طريق العمليات العقلية الداخلة في عمليتي التعليم وحفظ المادة المتعلمة في حدود القوى الثقافية والاجتماعية.

ويتفق الفولكلوربون على ان الموتيفة عنصر غير عادي وملفت للنظر، فالكلب اذا نبح لا يعتبر نباحه امرا غير عادي او ملفتا للنظر في اية ثقافة بحيث يستتبع ذلك استمرار اخبار واقعة نباحه في التقاليد. اما اذا تكلم الكلب فان هذا امر آخر(14) والمرآة التي يرى فيها الشخص انعكاس وجهه على صفحتها تعتبر امرا طبيعيا، اما اذا رأى هذا الشخص صورته بعد زمن ما في المستقبل او وجه شخص آخر غير موجود فهذا امر غير عادي ويسترعي الانتباه. والمدينة التي تباع الاشياء وتشترى فيها النقود او بالمقايضة لا تثير اي نوع خاص من الاهتمام تحت الظروف المعتادة. ولكن المدينة التي تكون فيها الوحدة المصرفية المعترف بها هي الصلاة على النبي والتي تباع وتشترى بمقتضاها الاشياء هي ولا شك مدينة عجيبة مثيرة للاهتمام. والمرأة التي تعض زوجها قد لا تثير اهتماما كبيراً اما اذا اكلت الزوجة ذراع زوجها فان هذا يعتبر شيئا غير عادي، فمجرد نباح الكلب وظهور صورة الناظر على سطح المرآة لحظة نظره اليها والمدينة العادية والمرأة العضاضة لا يمكن اعتبارها عناصر قصصية مستقلة او موتيفات. لكن الكلب المتكلم والمرآة السحرية والمدينة التي تستعمل الصلاة على النبي كوحدة مصرفية والمرأة التي أكلت ذراع زوجها هي عناصر قصصية لها امكانية الاستمرار في التقاليد نظراً لما تتصف به من النتوء الحقيقي الى جوانب العوامل الاخرى الداخلة في عمليتي الادراك والتعلم. فالنقطة الحمراء وسط مجموعة من النقاط السوداء تجذب النظر اليها وحدها دون أن ينحرف الى جارأتها والصوت الثاقب المختلط بمجموعة من الاصوات الخشنة المتماثلة يستقبله السمع ويدخل الاذن دون كبير عناء من قبل السامع. كذلك فان العنصر المعرفي الغريب يسترعي الانتباه بما يتصف له من الغرابة او الفخامة او القوة او الجدة وهو ما يعرف عند اصحاب مدرسة الجشطالت الشكل على الارضية في عملية الادراك.
وتتكون الحكاية في العادة من عدد صغير او كبير من الموتيفات. وقد تتكون من موتيفة واحدة.
ولا تتكون الحكاية من مجرد وجود الموتيفات. اذ لا بد لهذه الموتيفات من اكتساب تتابع خاص يؤدي الى ظهور الانماط، وعامل التتابع من أهم العوامل التي تقرر ماهية الحكاية فلو اننا افترضنا مجموعة معينة من الوحدات بالقاعدية القصصية - الموتيفات، فانه يمكن لهذه المجموعة أن تبقى مجرد حفنة من الجزئيات المتناثرة اذا لم تربطها علاقات عضوية، يمكن لها ان تشكل أكثر من طراز (حكاية) مختلف واكثر من رواية للطراز نفسه وذلك تبعا لطبيعة العلاقات المختلفة والقائمة بين هذه الموتيفات وتتابعها ودرجة ترابط عناصرها وهو ما يؤدي الى ظهور النمط. فالنمط اذن هو ترتيب العناصر او المكونات في كل متكامل متميز بشكله وتركيبه الذي يفصل بينه وبين بقية التركيبات التي قد يكون لها المحتوى نفسه. والنمط كذلك هو العلاقات القائمة بين هذه العناصر ودرجة تفاعلها مع بعضها بعضا... اي العلاقات الدينامية بين مكونات الطراز المختلفة... بينما الطراز هو القصة الشعبية ذات الشكل والمحتوى الثابتين نسبيا.

ويقابل دارس الادب الشعبي في معظم الحكايات الكثير من العناصر الروائية التي يمكن اسقاطها دون ان تصاب القصة بأدنى ضرر ومن أمثال ذلك الموتيفات الخاصة بالوصف وعناصر التشويق واطالة الاحداث حتى تستغرق الرواية لسبب او لاخر اطول وقت ممكن. وتمتاز بعض الجزئيات المعروفة بأنها ترد فقط في قليل من حكايات الطراز واما الجزئيات الاخرى غير المعروفة فكثيرة ولا يقتصر وجودها على عدد قليل من النماذج. ومجموع الجزئيات كافة بالغ الضخامة ويقدرها كراب يما يزيد على العشرة آلاف جزئية.
وقد يدور موضوع الموتيفة حول شخصية. وتشمل شخصيات الموتيفة الانسان والحيوان والجان واحيانا الجماد، فهناك أبطال مثل الشاطر محمد وعلي بابا، واوغاد مثل المرابي واللص واحيانا الخواجة.. وهناك حيوانات مثل الاسد والنمر والعنز، وكائنات عجيبة مثل الحصان الطائر والكلب المتكلم، وجمادات مثل المنخل الذي يخبر الغول بفرار ضحاياه وشخصيات متكررة مثل روجة الاب الشريرة والابنة الصغرى الاكثر جمالا والاخ الاصغر الذي ينجح دائما فيما يفشل فيه اخوته الكبار، كلها عناصر قصصية او موتيفات تدخل في تكوين القصص الشعبي.

وهناك الموتيفات التي تدور حول شيء. والاشياء التي من هذا النوع غالبا ما تلعب دورها كعنصر مساعد وتبقى في خلفية الاحداث، فالاشياء السحرية مثل البساط الطائر والقصر الذهبي وخاتم الملك والشعرة التي تجلب العفريت للنجدة وكذلك العادات الغريبة (التي يمكن اعتبارها ضمن طائفة الوقائع) مثل دفن الارمل حيا وبيع الاشياء «بالصلاة على النبي» واختيار اول داخل للمدينة، كلها عناصر قصصية غير عادية يمكن اعتبارها موتيفات. وتمثل الوقائع المكررة الغالبية العظمى للجزئيات القصصية القاعدية (الموتيفات)، فتزويج الاميرة لمن يحضر اثمن شيء في الوجود ومخادعة الغول مما يؤدي الى قتله اولاده هو بدلا من ضحاياه، والملك الذي يقتل زوجاته الواحدة تلو الاخرى والشخص الذي يهبط الى قاع بئر ليجد عالما غير عالمنا هذه كلها موتيفات تدور حول وقائع.

وقد اصطلح على تسمية الحكاية التقليدية ذات الوجود المستقل والمتكامل والمؤلفة من عدد من الموتيفات بالطراز. ويشترط ان تكون الحكاية التي نعنيها بهذا المصطلح متكاملة في ذاتها بصرف النظر عن طولها او قصرها او تعقيدها.

وبالاضافة لوحدتي قياس القصص الشعبي التي ذكرتها - وهي الموتيفة والطراز - هناك الواقعة. والواقعة جزيء قصصي يمثل حدثا واحدا من سلسلة احداث الحكاية وهي حدث كامل الا انه غير مستقل وتعتمد في استكمالها لمعناها على ما قبلها او بعدها من وقائع. وللواقعة القدرة على الانفصال او الانضمام الى قصص مختلفة، وهي بذلك وحدة قصصية ليس لها اكتمال الطراز. وهي حدث كامل الا أنه غير مستقل وتعتمد في استكمالها لمعناها على ما قيلها او بعدها من وقائع. وللواقعة القدرة على الانفصال او الانضمام الى قصص مختلفة. وهي بذلك وحدة قصصية ليس لها اكتمال الطراز حيث انها نادرا ما تظهر منفردة. واذا ما ظهرت وحدها عدت كسرة او حكاية ناقصة (fragment)

ترى ما هو الموطن الاصلي للقصة الشعبية؟
قال الباحث الفرنسي بدييه بتعدد اصول القصص الشعبي، وقد حاول دعم نظريته بتفسير طبيعي استمده من ملاحظة ان انواع النبات المتشابهة تنمو في ظروف جغرافية وطبيعية تتشابه في الجهات المتعددة من انحاء العالم. وبالطريقة نفسها تنمو الانماط العقلية المتشابهة في ظروف روحية متشابهة في انحاء العالم المختلفة. ويعتقد تيودور بنجي ان القصص الشعبي جميعه ما عدا الاسطورة التي تأصلت عند الاغريق يرجع الى اصل هندي وان هذا القصص كان في اصله حكايات بوذية تحكى لاغراض تعليمية ثم انتشر بعد ذلك اما عن طريق العرب فالبيزنطيين ومنهم الى اوروبه واما عن طريق المغول وشرق اوروبه. واهتم الاخوان جرم بالسؤال عن مصدر القصص الشعبي وطريقة انتشاره ومعناه وقد ظهر اول انتاج لهما في العام 1812 في كتابهما الاطفال والقصص الخرافي. وفي العام 1914 ظهر الجزء الثاني من هذا الكتاب. والى اليوم ما زال لهذا الكتاب من النضرة والحيوية ما كان له وقت ظهوره وما يزال تأثيره في الموسيقى والشعر والفن التصويري واضحا وكذلك فيما يستمد منه من افكار. وقد اضاف الاخوان جرم بيانا كافيا عن مصدر الاقاصيص الشعبية وحاولا البرهنة على صلة القربى او التشابه بين الاقاصيص الجرمانية وغيرها من اقاصيص الشعوب الاخرى. وقرر الاخوان جرم ان الادب الشعبي لم يتخذ له في البداية وطنا بذاته ولم يستأثر به شعب معين من الشعوب بل ان صور التفكير الشعبي قد تمثلت وتتمثل في جميع الازمان وعند جميع الشعوب.

ويهاجر الانموذج - الطراز - متجها الى الاماكن الاخرى ولعله يحمل في غالب الاحيان عبر مسافات شاسعة وقارات بكاملها. فاذا نشأت حكاية ما في مكان معين في المعمورة، كما يجوز ان نزعم ذلك لانفسنا، فالارجح انها تنتشر في شكل دوائر كتلك التي نراها عندما نلقي حجرا في الماء(15).

وكان بنجي يرى في هجرة الحكايات الشعبية من الشرق الى الغرب ظاهرة خالصة من ظواهر العصور الوسطى وكان ينسب الى المسلمين والمغول(16) القيام بدور نقل هذه الحكايات. وفي العام 1912 اثبت كوسكان ان بنجي اسرف في تقدير الدور الذي نهض به المسلمون والمغول لكن شواهد متزايدة تثبت ان هجرة الحكايات لا تخص مرحلة العصور الوسطى ولا تقف عند مرحلة تاريخية بذاتها بل هي تحدث في الماضى وفي كل زمان.

وانتقل الان للحديث عن فكرة الزمان والمكان في حكاياتنا الشعبية غير المدونة، وبالطبع فليس من شأني ان أتعرض لذلك النوع من الحكايات الشعبية التي امتدت اليها يد التدوين او وجدت في الاصل مدونة مثل قصص الف ليلة وليلة والظاهر بيبرس والاميرة ذات الهمة وسيف بن ذي يزن. وهناك فارق كبير بين نمط القصص الشعبي المدون وغير المدون، ذلك انه في النمط الاول ضمن الكتابة اوصافا مكانية وتحديدات زمانية محددة الى جانب اسماء معروفة وثابتة وربما تواريخ حقيقية. وفي النمط الثاني - نمط الحكاية الشعبية غير المدونة لم تسعف ذاكرة الرواية صاحبها على النقل الامين لكل تلك المواصفات والتحديدات. وبينما ظلت الحكاية المدونة تسجل معالم بيئتها الاصلية والى حد ما العديد من ملامح تلك البيئة واسماء الابطال وتعطينا صورة معقولة عن زمن وقوع الاحداث التي ترويها فان شيئا مغايراً حدث بالنسبة للحكاية غير المدونة، ففي الحالة الاخيرة ظل الراوية يهتم بالموتيفات الاساسية للطراز الذي يرويه وبتتابع معين لهذه الموتيفات بحيث ينتظم في ذهنه هيكل الوقائع التي يرويها بما يؤدي بداية وتوتراً او توترات عدة ثم نهاية سعيدة دائما لبطل الحكاية او ابطالها.

وقد تكون الحكاية الشعبية المستحدثة ذات اصل فارسي او هندي او صيني او عربي يعود لعصر ازدهار الحضارة العباسية مثلا الا اننا، وبعيداً عن الموتيفات المجردة، نلاحظ ان المعطيات الحضارية التي يعكسها النص المستحدث هي معطيات البيئة المحلية الحاضرة للرواية. ويعود ذلك لان النقل الشفوي لا يساعد على ان تعلق بذهن الرواية تفصيلات تعين على تحديد البيئة، فهو يعتمد على ذوق سامعيه وما يمكن ان يتذوقوه ويستسيغوه وفضلا عن انه لا يستطيع نقل جو اقليمي غريب لمسامعيه بسبب طبيعة العمل الشفوي فهو ايضا لا يفعل ذلك حتى لو أسعفته الذاكرة لان بداءة فنه وبداءة ذوق سامعيه تتطلب منه ان يقتصر على رواية اشياء يستطيع ان يراها او يلمسها مستمعوه في حياتهم العادية والا فانه سيظل يغني في واد غير واديهم ويصعب عليه شدهم الى مروياته.

والذي يحدث لدى استقرار الحكايات الشعبية التي ترويها في الغالب نساء مسنات للابناء والاحفاد ان ملامح الحياة اليومية الحديثة هي التي تفرض على اجواء حكايات ربما يقدر عمر نصها الاصلي بمئات او آلاف السنين. ويحس السامع باخر مواصفات الحياة الشعبية المعاصرة ماثلة امامه وكذلك المواقع الجغرافية المألوفة لديه. وهكذا نجد في حكاية «ست اليدب» ان البطلة الهاربة من الغول ظلت تمشي من بلدتها حتى وصلت محطة «بنيامينا»، وهذه هي محطة القطار التي يستعملها اهل القرية التي تنتمي اليها الراوية. كما تصادف ست اليدب في طريقها اناسا من النوع المألوف في البيئة المحلية، فهي تصادف «بائعي الزيت بالظروف المصنوعة من جلد الغنم» وتصادف بائعي الفخار الذين نقلوا الادوات الفخارية بعربات القطار من غزة. كل هذا لان الرواية فلسطينية ومن شمال فلسطين بالذات، اما اذا اطلعنا على نص مشابه مصدره النوبه في صعيد مصر ويعرض الموتيفات الاساسية للحكاية نفسها فلن نجد اثرا لتجارة زيت الزيتون او الادوات الفخارية لان النوبة لا تنتج زيت الزيتون وربما لا تستورد الفخار بعربات القطار من غزة.

وتحظى ملامح البيئة المحلية باهتمام قليل من الرواية اذا ما قورن ذلك بالتركيز على الوقائع التي تشكل هيكل الحكاية. واعتقد ان مرد ذلك عائد الى ان الراوية يفترض في السامع ان يتصور الجو الذي تجري فيه الاحداث وكأنه مشابه الى حد كبير الى جو البيئة التي يعيشها كل من الراوية والسامع، فالمنزل الذي تصوره الحكايات، اما كوخ حقير او بيت ذو قناطر ضخمة تحمل سقفا من الخشب والتراب ويحوي عددا من «الخوابي» التي يخزن فيها القمح والشعير والزيت والعدس والحمص والفول. وفي الكوخ يأكل الحطاب الخبز والفجل والبطل او السمك اذا كان المكان قريبا من البحر. ويأكل الفلاحون الموسرون الطيور المحشوة بالارز والصنوبر. وبينما نجد الفقير ينام على «القطوعة(17) ويتغطى (بالبطبوط)(18) فان البطل الذي يسعفه الحظ بالزواج من اميرة او اختطافها ينام وأياها على سرير ويضع السيف بينهما الى حين كتابة عقد زواج شرعي. وتشيع في ثنايا الحكايات الشعبية ألفاظ دارجة ومعروفة في البيئة الحديثة من حياة السواد من الناس مثل، (المكحلة) و(الهنابة) و(والقفطان) (والبارودة) (والمصطبة) وتصور الحكايات الشعبية بيئة الاوساط الشعبية الفقيرة او المتوسطة ولذلك لا نحس بالثراء العظيم في المواصفات حتى بلاطات الملك والسلطان يصعب على القاص الشعبي تصورها. وانما ينحو في تصويرها منحى يقربها من بيئة الفقراء. وهذا لا يعني ان حكاياتنا الشعبية تنسخ الواقع وتقدمه للسامع فيجب ان نتذكر ان الشعب تواق لمعرفة الجديد الغريب ويسره جداً ان يسمع عن اعاجيب وهو يميل الى تصديق كل ما يمكن ان يحسن القاص تصويره له. فهناك وصف ادوات الحياة اليومية التي لم يألفها الراوية او السامع على حد سواء... ونصادف في ثنايا الحكايات تلك «الباطية»(19) التي تمتلىء بالطعام المكون من الارز واللحم مثلا بمجرد دعوتها لان تمتلىء بذلك. وهناك الديك العجيب الذي تتساقط قطع العملة الذهبية من رأسه بمجرد ان تضربه بلطف على رأسه. ولدينا العصا التي يمكن توجيهها بكلمة او كلمات لتضرب دون موجه الاعداء وتجبرهم على الرضوخ للبطل ورد اشيائه العجيبة المسروقة ولدينا (المطراق)(20) الذي اذا ضربت به الارض الجافة انبجس منها ينبوع معطاء وانتسر العشب الاخضر النضر في ارجائها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://baitalmaqdes.ahlamontada.com
أبو عبدالله
المدير العام
أبو عبدالله


الأوسمة : مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Images?q=tbn:ANd9GcTgNl4W_xxNjelReMZGBk1xB4LnHKmJDo85ATynJ2j_hgBWgi5i

مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Image

مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Ebda3


مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية 2002


مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Alg7dpic-1888ec73d1


مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية 48
عدد المساهمات : 3550
نقاط : 58144
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 30/10/2010

مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية   مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية Emptyالثلاثاء ديسمبر 27, 2011 10:20 am


ونجد في ثنايا الحكايات الشعبية مبتكرات لم يحلم بها عصر التكنولوجيا... فلدينا الوردة التي ترقص و(بليبل الصياح)(21) الذي يطرب الحاضرين بأغان ويدهشهم بمواويل واقوال تكشف لهم حقيقة ما يدور في بيئتهم في جو من الطرب والامتاع ودونما قوة محركة من الكهرباء او سوى ذلك. وهناك الشبابة التي يعزف عليها راع موهوب فترقص لعزفه البديع الغنم والشجر والحجر.

ويجوز لنا ان نتصور مصدرين استقى منهما الراوي بيئة الحكاية التي يتحدث عنها، المصدر الاول بيئة القاص نفسه، والمصدر الثاني بيئة سمع الراوية عنها او تناهت اليه عبر روايات رواة غيره. ولا بد أن يكون الراوي الاول قد احس بمميزات قصة معينة نابعة من بيئة هندية او فارسية فاراد ان ينقي القصة من المميزات الغريبة.. ثم يأتي غيره فينقي القصة اكثر مما فعل الاول... وهكذا يستمر تبديل ملامح البيئة حتى لا يبقى من بيئتها الاولى غير هيكل الوقائع الاساسية. اما تلك الامور الخارقة التي تصدر عن ادوات سحرية فلا يسعنا ان نفسرها الا انها ثمرة خيال الانسان الذي صارع الطبيعة فصرعته ولم يجد متنفسا لهزيمته الا بتصور قدرات خيالية تتيحها الادوات السحرية. او قل هي طموح الانسان في مرحلة الطفولة العقلية والحضارية لتحقيق مجتمع الرفاهية ولو عن طريق الخيال.

واذا كانت الحكايات الشعبية المدونة قد حددت لنا اماكن الاحداث بوضوح قاطع فان الحكايات غير المدونة لم تفعل ذلك او كان الموقع الجغرافي فيها غامضا وخرافيا. ان سيرة سيف بن ذي يزن تفصح عن انتمائها لارض اليمن وسيرة الظاهر بيبرس توضح لنا بيئة مصر والشام. ولكن حكاية (حبيب رمان)(22) تظل حادثا انسانيا يمكن ان يقع في اي مكان وفي اي زمان. انها قصة صراع الناس البسطاء مع الغيلان الذين هم بدورهم رمز المصاص الدماء المستغل. وهذه هي قصة البشرية التي ظل فيها الصراع وسيظل يدول بين مستغل ومستغل. كان دور الراوية الشعبي الاخير ان اضفى على وقائع القصة بيئتنا المحلية فروى لنا حكاية رجل مغفل يخرج للتحطيب في الغابة فتقابله امرأة جميلة وتدعي انها اخته وتأخذ في لومه لانه لا يزورها. ويصدق الرجل المغفل دعواها. ويتضح اخيرا انها غولة اكلت جميع الناس في القرية وبدأت تتصيد الاخرين بدعوتهم للاقامة معها والعيش في حماها حيث يتوفر كل ما يحتاجه الانسان. وتكتشف زوجة الرجل المغفل حقيقة الغولة وتخبر زوجها بذلك ولكنه لا يقتنع بأقوالها. وتهرب الزوجة بالاطفال ويظل الرجل وحده ليقابل مصيره المحتوم وهو الموت على يد الغولة التي تتحرق لاكل اللحم البشري. هذه هي حكاية حبيب رمان بوقائعها الاساسية الماثلة في ذهن الراوي الذي يستعين بمعطيات البيئة المحلية فيسبغ على تلك الوقائع اسماء ومواصفات وامكنة يعرفها ويستسيغها سامعوه.

وتتحدث معظم الحكايات الشعبية عن مجال جغرافي يفترض انه حيث يعيش الراوية والسامع، الا انه قد يمتد هذا المجال الى اماكن غاية في البعد وليس لها وجود في عالمنا مثل، (بلاد واق الواق) و( جبل قاف) و(مدينة الست بدور) و(بلاد الطرنج) وفي الغالب فان اهل هذه البلاد هم من المردة والجان. وتوصف هذه البلاد بأن (اللي رايح اليهغا مفقود واللي راجع منها مولود)(23).

اما ورود لفظ (ملك الهند) او ملك الصين او ملك الجان فلا يدل على اكثر من ان اصل القصة كان كذلك او على ان القاص لمجرد خياله اراد الابعاد فسمى ما شاء من اسماء. والامر كذلك عند ورود اسماء بلدان ذات واقع جغرافي فهي مجرد اعلام في الواقع لا تضيف كثير الا بقدر ما كانت تثير كلمة الهند او فارس في نفس السامع من خيال حول القصة.

ويصور الرواة اهل بلاد الجن والغيلان وكأنهم اهل البيئة المحلية التي يعيشها الراوي فالطيبون المؤمنون منهم يرحبون ويحبون ويكرهون مثل البشر، والاشرار منهم يسيئون كما يسيء الاشرار من البشر. والغريب ان الراوي يصور الغيلان وهم يتحدثون باللهجة العامية المحلية وبكل ما يمكن ان تدل عليه اللغة من تأثر بالدين او التقاليد او العادات.

ان مسألة تحديد عمر نصوص الحكايات الشعبية لا يمكن البت بها في ضوء افادات تاريخية وذلك لسبب بسيط وهو ان هذه الحكايات لم تدون بعد وان «النص الام» مجهول ولا نستطيع استقراءه وكل ما يمكننا فعله هو ان نحاول استقراء النصوص المستحدثة. ويجوز لنا ان نفكر في تحديد زمان كل جزئية (موتيفة) من جزئيات الطراز على حدة.

واعتاد الراوية ان يقول في مطلع كل نص: (كان يا ما كان يا مستمعين الكلام... في قديم الزمان...) ولا يحمل تعبير (قديم الزمان اي تحديد تاريخي فأحداث القرن التاسع عشر هي قديمة بالنسبة لاحداث القرن العشرين. ونحن اعتدنا ان نقول ان ذلك قديم لمجرد وجود ما هو احدث منه.

وبناء على استقرار النص قال كراب ان أكثر الحكايات التاريخية ذيوعا تعود بنا الى العصور الوسطى على حين قد تعود بعض الحكايات الى عصور موغلة في القدم. وتوحي بعض الحكايات بزمن وقوعها بصورة تقريبية، ويجوز لنا الاعتقاد ان حكاية احديدون تعود لعصر الحديد. فاحديدون تعني تصغير حداد. ومما يؤكد هذا الاعتقاد ان الغولة تخشى من حربة احديدون الحديدية.

ونلاحظ في الحكاية نفسها ان الغولة عدوة احديدون تملك وعاء للطبخ مصنوعا من النحاس الاحمر. وهذا يدفع على الاعتقاد بأن الغيلان هم نوع من البشر المتوحشين الذين تخلفوا عن ركب الحضارة وكانوا ما زالوا في عصر النحاس في حين كان الانسان المتمدن الذي ينتمي اليه احديدون قد دخل عصر الحديد.

ويطالعنا في احد النصوص شخص ذلك البطل الذي يعيش في مغازة ويقتات مما يصطاده من حيوانات البر. وهو يعود الى المغارة ليعالج صيده ويجهزه للاكل. ثم تسوق له الاقدار امرأة اضطهدها ابناؤها فعاشت معه كأم ترعى شؤونه. ولا يصعب علينا ان نربط بين هذه الوقائع وبين انسان الكهوف الصياد. وقد كان الانسان في ذلك الوقت بجر المرأة من شعرها الى كهفه ليقضي وطره ولكن القيم الاجتماعية وطبيعة الطراز جعلت هذه في النسخة المستحدثة من النص (اما حنون). وهكذا يمكن القول ان النص الام لهذا النص المستحدث يعود للعصور القديمة. ومن هذه المرحلة من عمر الانسان نجد ما جاء في نص (القرصة)، فالبطلة تلحق باخوتها الذين هجروا امهم التي لا تنجب غير الذكور وعندما تعثر عليهم تجدهم وقد عاشوا في كوخ في الغابة. ويحصل ان القطة تبول على النار ذات يوم فلا تعرف البطلة كيف تشعلها وتستمر في البحث عن مصدر للنار حتى تجد الغول الذي(يحمل على ظهره شجرة وفي فمه بقرة وقد جلس في العراء يشوي فريسته ويتناول طعامه). وتدفعنا الوقائع هنا لتصور جو حياة الانسان الصياد بعد مرحلة اكتشاف النار وقبل ان يعرف طريقة اشعالها. والى هذه المرحلة ايضا تنتمي تلك الجزئيات التي تتحدث عن اكل لحوم البشر ومص الدماء وان كانت تنتمي في الواقع لمرحلة موغلة في القدم من العصور القديمة.

وفي حكاية (الصياد) نرى الانسان الطائر والطائر الانسان عندما يتمكن ذلك الصياد الفقير من العثور على امرأة جميلة بطريق الصدفة، فهو يذهب ليلقي شبكته في البحر فتأتي طيور ضخمة ولا تلبث ان تتكشف عن حسان تقصد الاستحمام في البحر. ويتمكن الصياد من اخفاء ثوب الريش الخاص بواحدة منهن وبذلك يحصل على امرأة رائعة الجمال.

وهذا العنصر في القصص الشعبي قديم جدا ونجده عند مختلف الشعوب(24). وما زالت بعض قبائل الهنود الحمر في شمال امريكه تعتقد فيه وتؤمن به وما قصة سليمان وملكة سبأ الا صدى لمثل هذا العنصر.
وتفصح بعض القصص عن انتمائها للعصور الوسطى وبالذات عن الحضارة العربية الاسلامية لما تطرحه من قيم هذه الحضارة ومظاهرها الدينية والاقتصادية. وتتحدث هذه الحكايات عن حياة التجار الذين يكثرون من الاسفار ويتعاملون بشتى البضائع ويربحون ويؤسسون المحلات التجارية الكبيرة. وتعرض هذه القصص افكاراً عربية اسلامية مثل الوفاء والشجاعة والكرم وتندد بالغدر والجشع. وتعطينا فكرة عن حياة الرغد التي تعيشها هذه الطبقة. ولا يستبعد ان تكون هذه الحكايات مستمدة مما تواتر من اخبار طرق التجارة وحكايات الف ليلة وليلة التي ظلت تتردد في ذاكرة الراوية الشعبي وقد فقدت الكثير من روائها وديباجتها التي لا يمكن ان تظل الا في ظل التدوين. في هذه الحكايات نجد شخصية السلطان العادل الذي يحكم بشرع لله دون ان يتخلى عن قيمه الموروثة، فهو يزوج ابنته من الفارس الشجاع او الطبيب الماهر او الشاطر الذي يحل اقسى المعضلات، كما انه يتفقد احوال الرعية ويحادث الافراد حتى من ادنى طبقات المجتمع. ولا شك ان هذه الجزئية مستوحاة من شخصية عدد من الخلفاء الصالحين امثال ابي بكر وعمر وهارون الرشيد. ومن هذه الحكايات حكاية السلطان الذي يمر ليلا ببيت تسكنه ثلاث بنات يتيمات فقيرات يعملن في الغزل لكسب قوتهن اليومي. ويسمع السلطان المتنكر احدى التفيات وهي تتمنى الزواج من خباز السلطان ليطعمها الخبز المحمر الشهي، بينما تتمنى الثانية الزواج من طباخ السلطان لتتلذذ بتذوق اطيب المأكولات. اما الثالثة فتتمنى ان يتزوج السلطان نفسه. وفي اليوم التالي يحقق الملك العادل امنية الاولى والثانية ويستعد لتحقيق امنية الثالثة بشرط ان تتخلى عن عزمها الذي عزمت عليه في الليل وهو ان تضرب الملك على خده عندما يتزوجها ويجلسها على سريره ويأخذ في تدليلها. وبعد مماطلات مشوقة كثيرة تتزوج الفتاة من السلطان الذي يجعل من نفسه مثلا اعلى للحاكم الذي يسهر على رعيته ويتقصى امورهم ويحقق امنياتهم.
ومن هذه الحكايات ايضا ما يعكس قيم الدين الاسلامي بوضوح عندما تبرز فكرة العقاب الالهي كما يفهمها المسلمون وعندما تعرض صورة المرأة كما يحرص عليها الدين فهي مثال للزوجة الوفية المخلصة المطيعة لزوجها. واذا جنحت فعقابها صارم ونقمة المجتمع واضحة جامحة. وهناك الحكايات التي وضعت من اجل تحقيق وعظ اسلامي واضح.. في حكاية (افضل من حجة) نجد ذلك الرجل الصالح الذي عزم على اداء فريضة الحج وجمع المال اللازم لتلك الرحلة الكبيرة الى الديار الحجازية ولكنه لا يتمكن من الذهاب عندما يحين سفر الحجاج لانه صرف المال على ارملة واطفال صديق قديم كانوا يعانون من الفقر والحاجة. ورغم ان هذا الرجل لم يسافر الى الحج فقد اجمع كل اقرانه الذين سافروا للحج في ذلك العام انهم شاهدوه بأعينهم وهو يؤدي شعائر الحج وان احدهم اتكأ على كتفه في احدى مراحل الطولف. وتريد الحكاية ان تعظنا وتقول، (ان الانفاق على الايتام افضل من حجة).
وقد تدفع بعض الجزئيات الى الاعتقاد بأن حكاية ما ربما كانت تنتمي لفترة حديثة لا يزيد عمرها عن قرن واحد. فهناك حديث عن (البارودة) (والطبنجة)(25) والبرندة (والذهب العسملي)(26) ولكن ذلك يجب الا يخدع الباحث الممحص اذ ان الراوية يستعين بعناصر تنتمي لعالم اليوم في حكاية يعود اصلها لمرحلة التوحش، ففي حكاية (القرصة) والتي قلنا انها تنتمي لمرحلة موغلة في القدم يذكرنا الراوية ان الامم اوصت القابلة بأن تعلق البارودة اذا هي انجبت طفلا وان تعلق المنخل اذا كان المولود بنتا. وهكذا نحس ان عوامل المكان والزمان وتعاقب نسخ عدة واحدة في اثر اخرى من نص ام في تشكيل نص مستحدث عملا يشبه المزج الكيماوي في مواعمة عناصر شتى تتباين من حيث منشئها البيئي وعمرها الزمني. وهي تتساوق على لسان الراوية في قالب محبب مقبول يخيل لسامعه انه ابن هذه البيئة التي يعيش عليها ولكن من عهد (قديم) هذا القدم لا يرقى الى درجة التحسس الزمني الصحيح كما تعكسه احداث تاريخ هذا الكوكب الذي نعيش عليه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://baitalmaqdes.ahlamontada.com
 
مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الحكاية الشعبية الفلسطينية دراسة موجزة
» الأهازيج الشعبية الفلسطينية
» المأكولات الشعبية الفلسطينية
» العودة في الأغنية الشعبية الفلسطينية
» دراسة في الأمثال الشعبية الفلسطينية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات بيت المقدس :: المنتدى الفلسطيني العالم :: التراث الفلسطيني :: الحكاية الشعبية-
انتقل الى: