أبو عبدالله المدير العام
الأوسمة :
عدد المساهمات : 3550 نقاط : 58144 السٌّمعَة : 6 تاريخ التسجيل : 30/10/2010
| |
أبو عبدالله المدير العام
الأوسمة :
عدد المساهمات : 3550 نقاط : 58144 السٌّمعَة : 6 تاريخ التسجيل : 30/10/2010
| موضوع: رد: مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية الثلاثاء ديسمبر 27, 2011 10:18 am | |
| وتعني الاسطورة بالنسبة للانسان القديم او البدائي انها قصة لها مكانتها الرفيعة في حياته. وهو ينظر لها نظرة تحمل معاني القدسية، فهي في الثقافة البدائية تعبر عن العقيدة وتذكيها وتقننها وتصون الاخلاق وتدعمها وتبرهن على كفاءة الطقوس وتضم قواعد عملية لهداية الانسان. وكذلك فهي تروي تاريخا مقدسا وتسرد حدثا وقع في عصور ممعنة في القدم.. عصور خرافية تستوعب بداية الخليقة.
تحاول الاسطورة ان تحكي لنا بواسطة اعمال تقوم بها كائنات خارقة كيف برزت الى الوجود حقيقة واقعة وقد تكون جانبا من الحقيقة او ضربا من السلوك الانساني. ان الاسطورة بهذا المعنى هي قصة وجود ما... فهي تروي كيف نشأ هذا لشيء او ذاك. انها تصور خارق للواقع وتقترن بالطقوس فهي حكاية اله او شبه اله او كائن خارق تفسر بمنطق الانسان البدائي ظواهر الحياة والطبيعة والكون والنظام الاجتماعي وأوليات المعرفة وهي تنزع في تفسيرها الى التشخيص والتمثيل والتجسيم وتنأى بجانبها عن التعليل والتحليل وتستوعب الكلمة والحركة والاشارة والايقاع وقد تستوعب تشكيل المادة.
وبهذا المفهوم نلاحظ ان الاسطورة التي ينظر اليها اليوم على انها قصة حارقة للعادة كانت في يوم ما وعند شعب من الشعوب عقيدة دينية راسخة. ولكن مع الزمن يتعرض المجتمع للتطور ويتغير الدين الرسمي بفعل ذلك التطور وتجد عناصر ثقافية جديدة اقوى فينفرط عقد الاسطورة الاولى وتنحدر من عليائها حيث كانت تمثل العقيدة الدينية البائدة وتنحدر الى سفح الكيان الاجتماعي او ترسب في اللاشعور وتظل على الحالين عقيدة ثانوية او ضربا من ضروب السحر او الممارسة غير المعقولة او الشعيرة الاجتماعية، وكثيرا ما تتحول الى محاور رئيسية تعاد صياغتها في حكايات شعبية. وهكذا فان الاسطورة تشبه المادة في انها لا تكاد تفنى او تنعدم وانما تتعدل صورها واشكالها ومضامينها ووظائفها او تكمن في اعماق النفس الانسانية وتؤلف ذلك الحشد الهائل غير المنظم من العقائد الثانوية والرواسب والاوهام والخرافات.
ان المقارنة بين الاسطورة والحكاية الخرافية الشعبية تكشف اوجه الشبه والخلاف وبالتالي تعطينا الفرصة لاصدار الحكم النهائي على مدى العلاقة بينهما، فالاولى تبحث في حياة واعمال آلهة وانصاف آلهة، والثانية تتناول حياة ملوك وشخصيات انسانية بحتة. ولنأخذ العنصر الرئيسي في الاسطورة ألا وهو البطل ونجعله موضع المقارنة. فالبطل هو نصف اله من ام من البشر يغتصبها اله متنكر في صورة حيوان على الاغلب او ان يكون ثمرة علاقة محرمة بين اله وابنته او اخته وهكذا. وتتم ولادته بطريقة غير عادية اما عن طريق الانبثاق من جسد الاله كما جاءت اثينا من رأس زيوس وديوينسيوس من فخذه او عن طريق عملية قيصرية. ويتعرض البطل - الطفل - للتشرد وذلك للخلاص منه اما بسبب ابيه الذي ينذر عن طريق الحلم بخطر وجود ابنه على حياته او بسبب امه التي تخشى العار والافتضاح. ومن اشهر طرق التخلص رميه بسلة في البحر. وتتم تربية الطفل على يد حيوان او مخلوقات اسطورية. ثم يكتشف البطل عن قوته وشجاعته في سن مبكرة ولو انه يتظاهر بالسذاجة والبلادة. وتظهر منعته الخارقة ومقدرته على قتال التنين او الوحوش الاخرى ثم بعد ذلك يحصل على عروس بعد قهره للمخاطر ويقوم برحله الى العالم السفلي ويعود الى بلاده الاصلية وينتصر على اعدائه. واخيرا يأتي دور وفاته.
وعند مقارنة هذا النموذج لحياة بطل الاسطورة بحياة بطل الحكاية الشعبية الخرافية يلوح هذا الاخير مجرد نسخة ممسوخة عن الاول، فهو وان يتشابه مع البطل الاسطوري في انه لا يقوم بالاعمال الخارقة بسبب من قوته او منعته شأنه في ذلك شأن البطل الاسطوري وانما يفعل ذلك اما بسبب الصدفة او ضربة الحظ او بمساعدة السحرة او الحيوانات الناطقة او العمالقة او الاقزام الذين اما ان يسخروا لخدمته او لانه قدم لهم خدمة عرضية كانت لهم جوهرية. ولا يموت بطل الحكاية الخرافية مهما كانت الصعاب التي تعترضه بل يحصل اخيرا على الفتاة او الاميرة ويتزوجها ويعيش معها عيشة سعيدة بفضل الكنوز التي تعود للاميرة او التي يكسبها هو بعد سيطرته على خصومه السحرة او الغيلان... الخ. ويبدو الاختلاف بين البطلين ظاهريا محضا(13) فما الحكاية الخرافية الا ابنة شرعية للاسطورة وان زادت تعقيدا بسبب من تعقد الحياة وتطورها وان هذا التعقيد والايغال في الرمزية هو الذي يكسبها هذا الشكل الساذج ظاهريا.
وتتشابه الحكايات الشعبية في العديد من الجزئيات (الموتيفات) المشتركة التي ترد في ثنايا الحكايات. ولذلك كان لا بد من البحث عن وحدة اصغر من الحكاية الواحدة المتكاملة، وقد اصطلح على تسمية هذه الوحدة بالموتيفة (motis)او الجزئية. وهكذا تكون الجزئية هي اصغر عنصر في القصة الشعبية لها القدرة على الاستمرار. وهي الجزىء المتكرر والمستمر الحامل لمعنى او قيمة ثقافية والذي يدخل في تكوين الشكل او المحتوى لمختلف انواع الانتاج الثقافي. ونحن نقول مثلا عن وحدة التطريز المتكررة في الزي الشعبي جزئية او موتيفة. والشيء نفسه يقال عن اصغر وحدة متكررة في رسوم الوشم او زخارف اطباق القش او رسوم الجدار... الخ.
والموتيفة - الجزئية - في الحكاية الشعبية هي اصغر عنصر روائي له المقدرة على الاستمرار خلال الزمان والمكان كجزء من التقاليد في ثقافة معينة وتعتمد هذه الصفة الاستمرارية على قدرة افراد المجتمع وحفظ هذه المادة الثقافية على مر الايام ثم قدرتهم على تمكين الاجيال التي تليهم من اكتساب هذه المعرفة وما يرتبط بها من قيم وذلك عن طريق العمليات العقلية الداخلة في عمليتي التعليم وحفظ المادة المتعلمة في حدود القوى الثقافية والاجتماعية.
ويتفق الفولكلوربون على ان الموتيفة عنصر غير عادي وملفت للنظر، فالكلب اذا نبح لا يعتبر نباحه امرا غير عادي او ملفتا للنظر في اية ثقافة بحيث يستتبع ذلك استمرار اخبار واقعة نباحه في التقاليد. اما اذا تكلم الكلب فان هذا امر آخر(14) والمرآة التي يرى فيها الشخص انعكاس وجهه على صفحتها تعتبر امرا طبيعيا، اما اذا رأى هذا الشخص صورته بعد زمن ما في المستقبل او وجه شخص آخر غير موجود فهذا امر غير عادي ويسترعي الانتباه. والمدينة التي تباع الاشياء وتشترى فيها النقود او بالمقايضة لا تثير اي نوع خاص من الاهتمام تحت الظروف المعتادة. ولكن المدينة التي تكون فيها الوحدة المصرفية المعترف بها هي الصلاة على النبي والتي تباع وتشترى بمقتضاها الاشياء هي ولا شك مدينة عجيبة مثيرة للاهتمام. والمرأة التي تعض زوجها قد لا تثير اهتماما كبيراً اما اذا اكلت الزوجة ذراع زوجها فان هذا يعتبر شيئا غير عادي، فمجرد نباح الكلب وظهور صورة الناظر على سطح المرآة لحظة نظره اليها والمدينة العادية والمرأة العضاضة لا يمكن اعتبارها عناصر قصصية مستقلة او موتيفات. لكن الكلب المتكلم والمرآة السحرية والمدينة التي تستعمل الصلاة على النبي كوحدة مصرفية والمرأة التي أكلت ذراع زوجها هي عناصر قصصية لها امكانية الاستمرار في التقاليد نظراً لما تتصف به من النتوء الحقيقي الى جوانب العوامل الاخرى الداخلة في عمليتي الادراك والتعلم. فالنقطة الحمراء وسط مجموعة من النقاط السوداء تجذب النظر اليها وحدها دون أن ينحرف الى جارأتها والصوت الثاقب المختلط بمجموعة من الاصوات الخشنة المتماثلة يستقبله السمع ويدخل الاذن دون كبير عناء من قبل السامع. كذلك فان العنصر المعرفي الغريب يسترعي الانتباه بما يتصف له من الغرابة او الفخامة او القوة او الجدة وهو ما يعرف عند اصحاب مدرسة الجشطالت الشكل على الارضية في عملية الادراك. وتتكون الحكاية في العادة من عدد صغير او كبير من الموتيفات. وقد تتكون من موتيفة واحدة. ولا تتكون الحكاية من مجرد وجود الموتيفات. اذ لا بد لهذه الموتيفات من اكتساب تتابع خاص يؤدي الى ظهور الانماط، وعامل التتابع من أهم العوامل التي تقرر ماهية الحكاية فلو اننا افترضنا مجموعة معينة من الوحدات بالقاعدية القصصية - الموتيفات، فانه يمكن لهذه المجموعة أن تبقى مجرد حفنة من الجزئيات المتناثرة اذا لم تربطها علاقات عضوية، يمكن لها ان تشكل أكثر من طراز (حكاية) مختلف واكثر من رواية للطراز نفسه وذلك تبعا لطبيعة العلاقات المختلفة والقائمة بين هذه الموتيفات وتتابعها ودرجة ترابط عناصرها وهو ما يؤدي الى ظهور النمط. فالنمط اذن هو ترتيب العناصر او المكونات في كل متكامل متميز بشكله وتركيبه الذي يفصل بينه وبين بقية التركيبات التي قد يكون لها المحتوى نفسه. والنمط كذلك هو العلاقات القائمة بين هذه العناصر ودرجة تفاعلها مع بعضها بعضا... اي العلاقات الدينامية بين مكونات الطراز المختلفة... بينما الطراز هو القصة الشعبية ذات الشكل والمحتوى الثابتين نسبيا.
ويقابل دارس الادب الشعبي في معظم الحكايات الكثير من العناصر الروائية التي يمكن اسقاطها دون ان تصاب القصة بأدنى ضرر ومن أمثال ذلك الموتيفات الخاصة بالوصف وعناصر التشويق واطالة الاحداث حتى تستغرق الرواية لسبب او لاخر اطول وقت ممكن. وتمتاز بعض الجزئيات المعروفة بأنها ترد فقط في قليل من حكايات الطراز واما الجزئيات الاخرى غير المعروفة فكثيرة ولا يقتصر وجودها على عدد قليل من النماذج. ومجموع الجزئيات كافة بالغ الضخامة ويقدرها كراب يما يزيد على العشرة آلاف جزئية. وقد يدور موضوع الموتيفة حول شخصية. وتشمل شخصيات الموتيفة الانسان والحيوان والجان واحيانا الجماد، فهناك أبطال مثل الشاطر محمد وعلي بابا، واوغاد مثل المرابي واللص واحيانا الخواجة.. وهناك حيوانات مثل الاسد والنمر والعنز، وكائنات عجيبة مثل الحصان الطائر والكلب المتكلم، وجمادات مثل المنخل الذي يخبر الغول بفرار ضحاياه وشخصيات متكررة مثل روجة الاب الشريرة والابنة الصغرى الاكثر جمالا والاخ الاصغر الذي ينجح دائما فيما يفشل فيه اخوته الكبار، كلها عناصر قصصية او موتيفات تدخل في تكوين القصص الشعبي.
وهناك الموتيفات التي تدور حول شيء. والاشياء التي من هذا النوع غالبا ما تلعب دورها كعنصر مساعد وتبقى في خلفية الاحداث، فالاشياء السحرية مثل البساط الطائر والقصر الذهبي وخاتم الملك والشعرة التي تجلب العفريت للنجدة وكذلك العادات الغريبة (التي يمكن اعتبارها ضمن طائفة الوقائع) مثل دفن الارمل حيا وبيع الاشياء «بالصلاة على النبي» واختيار اول داخل للمدينة، كلها عناصر قصصية غير عادية يمكن اعتبارها موتيفات. وتمثل الوقائع المكررة الغالبية العظمى للجزئيات القصصية القاعدية (الموتيفات)، فتزويج الاميرة لمن يحضر اثمن شيء في الوجود ومخادعة الغول مما يؤدي الى قتله اولاده هو بدلا من ضحاياه، والملك الذي يقتل زوجاته الواحدة تلو الاخرى والشخص الذي يهبط الى قاع بئر ليجد عالما غير عالمنا هذه كلها موتيفات تدور حول وقائع.
وقد اصطلح على تسمية الحكاية التقليدية ذات الوجود المستقل والمتكامل والمؤلفة من عدد من الموتيفات بالطراز. ويشترط ان تكون الحكاية التي نعنيها بهذا المصطلح متكاملة في ذاتها بصرف النظر عن طولها او قصرها او تعقيدها.
وبالاضافة لوحدتي قياس القصص الشعبي التي ذكرتها - وهي الموتيفة والطراز - هناك الواقعة. والواقعة جزيء قصصي يمثل حدثا واحدا من سلسلة احداث الحكاية وهي حدث كامل الا انه غير مستقل وتعتمد في استكمالها لمعناها على ما قبلها او بعدها من وقائع. وللواقعة القدرة على الانفصال او الانضمام الى قصص مختلفة، وهي بذلك وحدة قصصية ليس لها اكتمال الطراز. وهي حدث كامل الا أنه غير مستقل وتعتمد في استكمالها لمعناها على ما قيلها او بعدها من وقائع. وللواقعة القدرة على الانفصال او الانضمام الى قصص مختلفة. وهي بذلك وحدة قصصية ليس لها اكتمال الطراز حيث انها نادرا ما تظهر منفردة. واذا ما ظهرت وحدها عدت كسرة او حكاية ناقصة (fragment)
ترى ما هو الموطن الاصلي للقصة الشعبية؟ قال الباحث الفرنسي بدييه بتعدد اصول القصص الشعبي، وقد حاول دعم نظريته بتفسير طبيعي استمده من ملاحظة ان انواع النبات المتشابهة تنمو في ظروف جغرافية وطبيعية تتشابه في الجهات المتعددة من انحاء العالم. وبالطريقة نفسها تنمو الانماط العقلية المتشابهة في ظروف روحية متشابهة في انحاء العالم المختلفة. ويعتقد تيودور بنجي ان القصص الشعبي جميعه ما عدا الاسطورة التي تأصلت عند الاغريق يرجع الى اصل هندي وان هذا القصص كان في اصله حكايات بوذية تحكى لاغراض تعليمية ثم انتشر بعد ذلك اما عن طريق العرب فالبيزنطيين ومنهم الى اوروبه واما عن طريق المغول وشرق اوروبه. واهتم الاخوان جرم بالسؤال عن مصدر القصص الشعبي وطريقة انتشاره ومعناه وقد ظهر اول انتاج لهما في العام 1812 في كتابهما الاطفال والقصص الخرافي. وفي العام 1914 ظهر الجزء الثاني من هذا الكتاب. والى اليوم ما زال لهذا الكتاب من النضرة والحيوية ما كان له وقت ظهوره وما يزال تأثيره في الموسيقى والشعر والفن التصويري واضحا وكذلك فيما يستمد منه من افكار. وقد اضاف الاخوان جرم بيانا كافيا عن مصدر الاقاصيص الشعبية وحاولا البرهنة على صلة القربى او التشابه بين الاقاصيص الجرمانية وغيرها من اقاصيص الشعوب الاخرى. وقرر الاخوان جرم ان الادب الشعبي لم يتخذ له في البداية وطنا بذاته ولم يستأثر به شعب معين من الشعوب بل ان صور التفكير الشعبي قد تمثلت وتتمثل في جميع الازمان وعند جميع الشعوب.
ويهاجر الانموذج - الطراز - متجها الى الاماكن الاخرى ولعله يحمل في غالب الاحيان عبر مسافات شاسعة وقارات بكاملها. فاذا نشأت حكاية ما في مكان معين في المعمورة، كما يجوز ان نزعم ذلك لانفسنا، فالارجح انها تنتشر في شكل دوائر كتلك التي نراها عندما نلقي حجرا في الماء(15).
وكان بنجي يرى في هجرة الحكايات الشعبية من الشرق الى الغرب ظاهرة خالصة من ظواهر العصور الوسطى وكان ينسب الى المسلمين والمغول(16) القيام بدور نقل هذه الحكايات. وفي العام 1912 اثبت كوسكان ان بنجي اسرف في تقدير الدور الذي نهض به المسلمون والمغول لكن شواهد متزايدة تثبت ان هجرة الحكايات لا تخص مرحلة العصور الوسطى ولا تقف عند مرحلة تاريخية بذاتها بل هي تحدث في الماضى وفي كل زمان.
وانتقل الان للحديث عن فكرة الزمان والمكان في حكاياتنا الشعبية غير المدونة، وبالطبع فليس من شأني ان أتعرض لذلك النوع من الحكايات الشعبية التي امتدت اليها يد التدوين او وجدت في الاصل مدونة مثل قصص الف ليلة وليلة والظاهر بيبرس والاميرة ذات الهمة وسيف بن ذي يزن. وهناك فارق كبير بين نمط القصص الشعبي المدون وغير المدون، ذلك انه في النمط الاول ضمن الكتابة اوصافا مكانية وتحديدات زمانية محددة الى جانب اسماء معروفة وثابتة وربما تواريخ حقيقية. وفي النمط الثاني - نمط الحكاية الشعبية غير المدونة لم تسعف ذاكرة الرواية صاحبها على النقل الامين لكل تلك المواصفات والتحديدات. وبينما ظلت الحكاية المدونة تسجل معالم بيئتها الاصلية والى حد ما العديد من ملامح تلك البيئة واسماء الابطال وتعطينا صورة معقولة عن زمن وقوع الاحداث التي ترويها فان شيئا مغايراً حدث بالنسبة للحكاية غير المدونة، ففي الحالة الاخيرة ظل الراوية يهتم بالموتيفات الاساسية للطراز الذي يرويه وبتتابع معين لهذه الموتيفات بحيث ينتظم في ذهنه هيكل الوقائع التي يرويها بما يؤدي بداية وتوتراً او توترات عدة ثم نهاية سعيدة دائما لبطل الحكاية او ابطالها.
وقد تكون الحكاية الشعبية المستحدثة ذات اصل فارسي او هندي او صيني او عربي يعود لعصر ازدهار الحضارة العباسية مثلا الا اننا، وبعيداً عن الموتيفات المجردة، نلاحظ ان المعطيات الحضارية التي يعكسها النص المستحدث هي معطيات البيئة المحلية الحاضرة للرواية. ويعود ذلك لان النقل الشفوي لا يساعد على ان تعلق بذهن الرواية تفصيلات تعين على تحديد البيئة، فهو يعتمد على ذوق سامعيه وما يمكن ان يتذوقوه ويستسيغوه وفضلا عن انه لا يستطيع نقل جو اقليمي غريب لمسامعيه بسبب طبيعة العمل الشفوي فهو ايضا لا يفعل ذلك حتى لو أسعفته الذاكرة لان بداءة فنه وبداءة ذوق سامعيه تتطلب منه ان يقتصر على رواية اشياء يستطيع ان يراها او يلمسها مستمعوه في حياتهم العادية والا فانه سيظل يغني في واد غير واديهم ويصعب عليه شدهم الى مروياته.
والذي يحدث لدى استقرار الحكايات الشعبية التي ترويها في الغالب نساء مسنات للابناء والاحفاد ان ملامح الحياة اليومية الحديثة هي التي تفرض على اجواء حكايات ربما يقدر عمر نصها الاصلي بمئات او آلاف السنين. ويحس السامع باخر مواصفات الحياة الشعبية المعاصرة ماثلة امامه وكذلك المواقع الجغرافية المألوفة لديه. وهكذا نجد في حكاية «ست اليدب» ان البطلة الهاربة من الغول ظلت تمشي من بلدتها حتى وصلت محطة «بنيامينا»، وهذه هي محطة القطار التي يستعملها اهل القرية التي تنتمي اليها الراوية. كما تصادف ست اليدب في طريقها اناسا من النوع المألوف في البيئة المحلية، فهي تصادف «بائعي الزيت بالظروف المصنوعة من جلد الغنم» وتصادف بائعي الفخار الذين نقلوا الادوات الفخارية بعربات القطار من غزة. كل هذا لان الرواية فلسطينية ومن شمال فلسطين بالذات، اما اذا اطلعنا على نص مشابه مصدره النوبه في صعيد مصر ويعرض الموتيفات الاساسية للحكاية نفسها فلن نجد اثرا لتجارة زيت الزيتون او الادوات الفخارية لان النوبة لا تنتج زيت الزيتون وربما لا تستورد الفخار بعربات القطار من غزة.
وتحظى ملامح البيئة المحلية باهتمام قليل من الرواية اذا ما قورن ذلك بالتركيز على الوقائع التي تشكل هيكل الحكاية. واعتقد ان مرد ذلك عائد الى ان الراوية يفترض في السامع ان يتصور الجو الذي تجري فيه الاحداث وكأنه مشابه الى حد كبير الى جو البيئة التي يعيشها كل من الراوية والسامع، فالمنزل الذي تصوره الحكايات، اما كوخ حقير او بيت ذو قناطر ضخمة تحمل سقفا من الخشب والتراب ويحوي عددا من «الخوابي» التي يخزن فيها القمح والشعير والزيت والعدس والحمص والفول. وفي الكوخ يأكل الحطاب الخبز والفجل والبطل او السمك اذا كان المكان قريبا من البحر. ويأكل الفلاحون الموسرون الطيور المحشوة بالارز والصنوبر. وبينما نجد الفقير ينام على «القطوعة(17) ويتغطى (بالبطبوط)(18) فان البطل الذي يسعفه الحظ بالزواج من اميرة او اختطافها ينام وأياها على سرير ويضع السيف بينهما الى حين كتابة عقد زواج شرعي. وتشيع في ثنايا الحكايات الشعبية ألفاظ دارجة ومعروفة في البيئة الحديثة من حياة السواد من الناس مثل، (المكحلة) و(الهنابة) و(والقفطان) (والبارودة) (والمصطبة) وتصور الحكايات الشعبية بيئة الاوساط الشعبية الفقيرة او المتوسطة ولذلك لا نحس بالثراء العظيم في المواصفات حتى بلاطات الملك والسلطان يصعب على القاص الشعبي تصورها. وانما ينحو في تصويرها منحى يقربها من بيئة الفقراء. وهذا لا يعني ان حكاياتنا الشعبية تنسخ الواقع وتقدمه للسامع فيجب ان نتذكر ان الشعب تواق لمعرفة الجديد الغريب ويسره جداً ان يسمع عن اعاجيب وهو يميل الى تصديق كل ما يمكن ان يحسن القاص تصويره له. فهناك وصف ادوات الحياة اليومية التي لم يألفها الراوية او السامع على حد سواء... ونصادف في ثنايا الحكايات تلك «الباطية»(19) التي تمتلىء بالطعام المكون من الارز واللحم مثلا بمجرد دعوتها لان تمتلىء بذلك. وهناك الديك العجيب الذي تتساقط قطع العملة الذهبية من رأسه بمجرد ان تضربه بلطف على رأسه. ولدينا العصا التي يمكن توجيهها بكلمة او كلمات لتضرب دون موجه الاعداء وتجبرهم على الرضوخ للبطل ورد اشيائه العجيبة المسروقة ولدينا (المطراق)(20) الذي اذا ضربت به الارض الجافة انبجس منها ينبوع معطاء وانتسر العشب الاخضر النضر في ارجائها.
| |
|
أبو عبدالله المدير العام
الأوسمة :
عدد المساهمات : 3550 نقاط : 58144 السٌّمعَة : 6 تاريخ التسجيل : 30/10/2010
| موضوع: رد: مدخل للحكايات الشعبية الفلسطينية الثلاثاء ديسمبر 27, 2011 10:20 am | |
| ونجد في ثنايا الحكايات الشعبية مبتكرات لم يحلم بها عصر التكنولوجيا... فلدينا الوردة التي ترقص و(بليبل الصياح)(21) الذي يطرب الحاضرين بأغان ويدهشهم بمواويل واقوال تكشف لهم حقيقة ما يدور في بيئتهم في جو من الطرب والامتاع ودونما قوة محركة من الكهرباء او سوى ذلك. وهناك الشبابة التي يعزف عليها راع موهوب فترقص لعزفه البديع الغنم والشجر والحجر.
ويجوز لنا ان نتصور مصدرين استقى منهما الراوي بيئة الحكاية التي يتحدث عنها، المصدر الاول بيئة القاص نفسه، والمصدر الثاني بيئة سمع الراوية عنها او تناهت اليه عبر روايات رواة غيره. ولا بد أن يكون الراوي الاول قد احس بمميزات قصة معينة نابعة من بيئة هندية او فارسية فاراد ان ينقي القصة من المميزات الغريبة.. ثم يأتي غيره فينقي القصة اكثر مما فعل الاول... وهكذا يستمر تبديل ملامح البيئة حتى لا يبقى من بيئتها الاولى غير هيكل الوقائع الاساسية. اما تلك الامور الخارقة التي تصدر عن ادوات سحرية فلا يسعنا ان نفسرها الا انها ثمرة خيال الانسان الذي صارع الطبيعة فصرعته ولم يجد متنفسا لهزيمته الا بتصور قدرات خيالية تتيحها الادوات السحرية. او قل هي طموح الانسان في مرحلة الطفولة العقلية والحضارية لتحقيق مجتمع الرفاهية ولو عن طريق الخيال.
واذا كانت الحكايات الشعبية المدونة قد حددت لنا اماكن الاحداث بوضوح قاطع فان الحكايات غير المدونة لم تفعل ذلك او كان الموقع الجغرافي فيها غامضا وخرافيا. ان سيرة سيف بن ذي يزن تفصح عن انتمائها لارض اليمن وسيرة الظاهر بيبرس توضح لنا بيئة مصر والشام. ولكن حكاية (حبيب رمان)(22) تظل حادثا انسانيا يمكن ان يقع في اي مكان وفي اي زمان. انها قصة صراع الناس البسطاء مع الغيلان الذين هم بدورهم رمز المصاص الدماء المستغل. وهذه هي قصة البشرية التي ظل فيها الصراع وسيظل يدول بين مستغل ومستغل. كان دور الراوية الشعبي الاخير ان اضفى على وقائع القصة بيئتنا المحلية فروى لنا حكاية رجل مغفل يخرج للتحطيب في الغابة فتقابله امرأة جميلة وتدعي انها اخته وتأخذ في لومه لانه لا يزورها. ويصدق الرجل المغفل دعواها. ويتضح اخيرا انها غولة اكلت جميع الناس في القرية وبدأت تتصيد الاخرين بدعوتهم للاقامة معها والعيش في حماها حيث يتوفر كل ما يحتاجه الانسان. وتكتشف زوجة الرجل المغفل حقيقة الغولة وتخبر زوجها بذلك ولكنه لا يقتنع بأقوالها. وتهرب الزوجة بالاطفال ويظل الرجل وحده ليقابل مصيره المحتوم وهو الموت على يد الغولة التي تتحرق لاكل اللحم البشري. هذه هي حكاية حبيب رمان بوقائعها الاساسية الماثلة في ذهن الراوي الذي يستعين بمعطيات البيئة المحلية فيسبغ على تلك الوقائع اسماء ومواصفات وامكنة يعرفها ويستسيغها سامعوه.
وتتحدث معظم الحكايات الشعبية عن مجال جغرافي يفترض انه حيث يعيش الراوية والسامع، الا انه قد يمتد هذا المجال الى اماكن غاية في البعد وليس لها وجود في عالمنا مثل، (بلاد واق الواق) و( جبل قاف) و(مدينة الست بدور) و(بلاد الطرنج) وفي الغالب فان اهل هذه البلاد هم من المردة والجان. وتوصف هذه البلاد بأن (اللي رايح اليهغا مفقود واللي راجع منها مولود)(23).
اما ورود لفظ (ملك الهند) او ملك الصين او ملك الجان فلا يدل على اكثر من ان اصل القصة كان كذلك او على ان القاص لمجرد خياله اراد الابعاد فسمى ما شاء من اسماء. والامر كذلك عند ورود اسماء بلدان ذات واقع جغرافي فهي مجرد اعلام في الواقع لا تضيف كثير الا بقدر ما كانت تثير كلمة الهند او فارس في نفس السامع من خيال حول القصة.
ويصور الرواة اهل بلاد الجن والغيلان وكأنهم اهل البيئة المحلية التي يعيشها الراوي فالطيبون المؤمنون منهم يرحبون ويحبون ويكرهون مثل البشر، والاشرار منهم يسيئون كما يسيء الاشرار من البشر. والغريب ان الراوي يصور الغيلان وهم يتحدثون باللهجة العامية المحلية وبكل ما يمكن ان تدل عليه اللغة من تأثر بالدين او التقاليد او العادات.
ان مسألة تحديد عمر نصوص الحكايات الشعبية لا يمكن البت بها في ضوء افادات تاريخية وذلك لسبب بسيط وهو ان هذه الحكايات لم تدون بعد وان «النص الام» مجهول ولا نستطيع استقراءه وكل ما يمكننا فعله هو ان نحاول استقراء النصوص المستحدثة. ويجوز لنا ان نفكر في تحديد زمان كل جزئية (موتيفة) من جزئيات الطراز على حدة.
واعتاد الراوية ان يقول في مطلع كل نص: (كان يا ما كان يا مستمعين الكلام... في قديم الزمان...) ولا يحمل تعبير (قديم الزمان اي تحديد تاريخي فأحداث القرن التاسع عشر هي قديمة بالنسبة لاحداث القرن العشرين. ونحن اعتدنا ان نقول ان ذلك قديم لمجرد وجود ما هو احدث منه.
وبناء على استقرار النص قال كراب ان أكثر الحكايات التاريخية ذيوعا تعود بنا الى العصور الوسطى على حين قد تعود بعض الحكايات الى عصور موغلة في القدم. وتوحي بعض الحكايات بزمن وقوعها بصورة تقريبية، ويجوز لنا الاعتقاد ان حكاية احديدون تعود لعصر الحديد. فاحديدون تعني تصغير حداد. ومما يؤكد هذا الاعتقاد ان الغولة تخشى من حربة احديدون الحديدية.
ونلاحظ في الحكاية نفسها ان الغولة عدوة احديدون تملك وعاء للطبخ مصنوعا من النحاس الاحمر. وهذا يدفع على الاعتقاد بأن الغيلان هم نوع من البشر المتوحشين الذين تخلفوا عن ركب الحضارة وكانوا ما زالوا في عصر النحاس في حين كان الانسان المتمدن الذي ينتمي اليه احديدون قد دخل عصر الحديد.
ويطالعنا في احد النصوص شخص ذلك البطل الذي يعيش في مغازة ويقتات مما يصطاده من حيوانات البر. وهو يعود الى المغارة ليعالج صيده ويجهزه للاكل. ثم تسوق له الاقدار امرأة اضطهدها ابناؤها فعاشت معه كأم ترعى شؤونه. ولا يصعب علينا ان نربط بين هذه الوقائع وبين انسان الكهوف الصياد. وقد كان الانسان في ذلك الوقت بجر المرأة من شعرها الى كهفه ليقضي وطره ولكن القيم الاجتماعية وطبيعة الطراز جعلت هذه في النسخة المستحدثة من النص (اما حنون). وهكذا يمكن القول ان النص الام لهذا النص المستحدث يعود للعصور القديمة. ومن هذه المرحلة من عمر الانسان نجد ما جاء في نص (القرصة)، فالبطلة تلحق باخوتها الذين هجروا امهم التي لا تنجب غير الذكور وعندما تعثر عليهم تجدهم وقد عاشوا في كوخ في الغابة. ويحصل ان القطة تبول على النار ذات يوم فلا تعرف البطلة كيف تشعلها وتستمر في البحث عن مصدر للنار حتى تجد الغول الذي(يحمل على ظهره شجرة وفي فمه بقرة وقد جلس في العراء يشوي فريسته ويتناول طعامه). وتدفعنا الوقائع هنا لتصور جو حياة الانسان الصياد بعد مرحلة اكتشاف النار وقبل ان يعرف طريقة اشعالها. والى هذه المرحلة ايضا تنتمي تلك الجزئيات التي تتحدث عن اكل لحوم البشر ومص الدماء وان كانت تنتمي في الواقع لمرحلة موغلة في القدم من العصور القديمة.
وفي حكاية (الصياد) نرى الانسان الطائر والطائر الانسان عندما يتمكن ذلك الصياد الفقير من العثور على امرأة جميلة بطريق الصدفة، فهو يذهب ليلقي شبكته في البحر فتأتي طيور ضخمة ولا تلبث ان تتكشف عن حسان تقصد الاستحمام في البحر. ويتمكن الصياد من اخفاء ثوب الريش الخاص بواحدة منهن وبذلك يحصل على امرأة رائعة الجمال.
وهذا العنصر في القصص الشعبي قديم جدا ونجده عند مختلف الشعوب(24). وما زالت بعض قبائل الهنود الحمر في شمال امريكه تعتقد فيه وتؤمن به وما قصة سليمان وملكة سبأ الا صدى لمثل هذا العنصر. وتفصح بعض القصص عن انتمائها للعصور الوسطى وبالذات عن الحضارة العربية الاسلامية لما تطرحه من قيم هذه الحضارة ومظاهرها الدينية والاقتصادية. وتتحدث هذه الحكايات عن حياة التجار الذين يكثرون من الاسفار ويتعاملون بشتى البضائع ويربحون ويؤسسون المحلات التجارية الكبيرة. وتعرض هذه القصص افكاراً عربية اسلامية مثل الوفاء والشجاعة والكرم وتندد بالغدر والجشع. وتعطينا فكرة عن حياة الرغد التي تعيشها هذه الطبقة. ولا يستبعد ان تكون هذه الحكايات مستمدة مما تواتر من اخبار طرق التجارة وحكايات الف ليلة وليلة التي ظلت تتردد في ذاكرة الراوية الشعبي وقد فقدت الكثير من روائها وديباجتها التي لا يمكن ان تظل الا في ظل التدوين. في هذه الحكايات نجد شخصية السلطان العادل الذي يحكم بشرع لله دون ان يتخلى عن قيمه الموروثة، فهو يزوج ابنته من الفارس الشجاع او الطبيب الماهر او الشاطر الذي يحل اقسى المعضلات، كما انه يتفقد احوال الرعية ويحادث الافراد حتى من ادنى طبقات المجتمع. ولا شك ان هذه الجزئية مستوحاة من شخصية عدد من الخلفاء الصالحين امثال ابي بكر وعمر وهارون الرشيد. ومن هذه الحكايات حكاية السلطان الذي يمر ليلا ببيت تسكنه ثلاث بنات يتيمات فقيرات يعملن في الغزل لكسب قوتهن اليومي. ويسمع السلطان المتنكر احدى التفيات وهي تتمنى الزواج من خباز السلطان ليطعمها الخبز المحمر الشهي، بينما تتمنى الثانية الزواج من طباخ السلطان لتتلذذ بتذوق اطيب المأكولات. اما الثالثة فتتمنى ان يتزوج السلطان نفسه. وفي اليوم التالي يحقق الملك العادل امنية الاولى والثانية ويستعد لتحقيق امنية الثالثة بشرط ان تتخلى عن عزمها الذي عزمت عليه في الليل وهو ان تضرب الملك على خده عندما يتزوجها ويجلسها على سريره ويأخذ في تدليلها. وبعد مماطلات مشوقة كثيرة تتزوج الفتاة من السلطان الذي يجعل من نفسه مثلا اعلى للحاكم الذي يسهر على رعيته ويتقصى امورهم ويحقق امنياتهم. ومن هذه الحكايات ايضا ما يعكس قيم الدين الاسلامي بوضوح عندما تبرز فكرة العقاب الالهي كما يفهمها المسلمون وعندما تعرض صورة المرأة كما يحرص عليها الدين فهي مثال للزوجة الوفية المخلصة المطيعة لزوجها. واذا جنحت فعقابها صارم ونقمة المجتمع واضحة جامحة. وهناك الحكايات التي وضعت من اجل تحقيق وعظ اسلامي واضح.. في حكاية (افضل من حجة) نجد ذلك الرجل الصالح الذي عزم على اداء فريضة الحج وجمع المال اللازم لتلك الرحلة الكبيرة الى الديار الحجازية ولكنه لا يتمكن من الذهاب عندما يحين سفر الحجاج لانه صرف المال على ارملة واطفال صديق قديم كانوا يعانون من الفقر والحاجة. ورغم ان هذا الرجل لم يسافر الى الحج فقد اجمع كل اقرانه الذين سافروا للحج في ذلك العام انهم شاهدوه بأعينهم وهو يؤدي شعائر الحج وان احدهم اتكأ على كتفه في احدى مراحل الطولف. وتريد الحكاية ان تعظنا وتقول، (ان الانفاق على الايتام افضل من حجة). وقد تدفع بعض الجزئيات الى الاعتقاد بأن حكاية ما ربما كانت تنتمي لفترة حديثة لا يزيد عمرها عن قرن واحد. فهناك حديث عن (البارودة) (والطبنجة)(25) والبرندة (والذهب العسملي)(26) ولكن ذلك يجب الا يخدع الباحث الممحص اذ ان الراوية يستعين بعناصر تنتمي لعالم اليوم في حكاية يعود اصلها لمرحلة التوحش، ففي حكاية (القرصة) والتي قلنا انها تنتمي لمرحلة موغلة في القدم يذكرنا الراوية ان الامم اوصت القابلة بأن تعلق البارودة اذا هي انجبت طفلا وان تعلق المنخل اذا كان المولود بنتا. وهكذا نحس ان عوامل المكان والزمان وتعاقب نسخ عدة واحدة في اثر اخرى من نص ام في تشكيل نص مستحدث عملا يشبه المزج الكيماوي في مواعمة عناصر شتى تتباين من حيث منشئها البيئي وعمرها الزمني. وهي تتساوق على لسان الراوية في قالب محبب مقبول يخيل لسامعه انه ابن هذه البيئة التي يعيش عليها ولكن من عهد (قديم) هذا القدم لا يرقى الى درجة التحسس الزمني الصحيح كما تعكسه احداث تاريخ هذا الكوكب الذي نعيش عليه.
| |
|