أبو عبدالله المدير العام
الأوسمة :
عدد المساهمات : 3550 نقاط : 58144 السٌّمعَة : 6 تاريخ التسجيل : 30/10/2010
| موضوع: صورة المرأة في الأمثال الشعبية الفلسطينية الأحد يناير 08, 2012 4:25 pm | |
|
أ. منور عدنان نجم(*) أ. عزيزة عبد العزيز علي(*) ملخص البحث: هدفت الدراسة إلى التعرف إلى الصورة المقدمة عن المرأة من خلال الأمثال الشعبية الفلسطينية والكشف عن مدى توافق الصورة المقدمة عن المرأة مع المنظور الإسلامي. وتم استخدام المنهج الوصفي التحليلي وتحليل المضمون .تكون مجتمع الدراسة من (200) مثل شعبي متداول على ألسنة كبار السن وتكونت عينة الدراسة من (100) مثل شعبي .ومن أهم ما توصلت إليه نتائج الدراسة ما يلي : 1.قدمت الأمثال صور المرأة المتعددة (الثقافية _الاجتماعية _الاقتصادية _التربوية) التي ساهمت في تشكيل جوانب الصورة العامة للمرأة في المجتمع الفلسطيني. 2.احتلت المرأة مركزاً إيجابياً في علاقتها بزوجها من خلال الأمثال الشعبية ، كما وأشارت النتائج إلى أن المرأة لعبت دوراً سابياً في علاقتها بزوجها من عدم مشاركتها عاطفياً وعدم مشاركتها في صنع القرار والقليل من شأنها ومخالفة رأيها. 3.أشادت الأمثال بالصورة المتميزة التي احتلتها المرأة من خلال علاقتها بالأبناء والزوج والمجتمع . 4.اشتملت الأمثال الشعبية الفلسطينية التي تناولت صورة المرأة على جوانب سلبية تتعارض مع معايير الكتاب والسنة والتي بالإمكان حصرها من خلال تأصيلها . وخلصت الباحثتان إلى توصيات أهمها: 1.العمل على تأصيل التراث الفلسطيني وغربلته شرعياً ، وإقصاء كل ما يتعارض مع تعاليم الإسلام . 2.ضرورة تفعيل الإعلام الفلسطيني في إحياء الأمثال الشعبية التي عبرت عن الصورة الناصعة والمضيئة للمرأة وتعزيزها بنظرة الإسلام لها . 3.توعية المرأة بدور الأمثال الشعبية في التنشئة الاجتماعية. 4.إدخال بعض عناصر التراث الفلسطيني خاصة ما يتعلق بالمرأة في المناهج التعليمية. 5.تعزيز التراث الفلسطيني تعزيزاً موضوعياً والتركيز على ما يتصل بالمرأة في جميع المستويات (التربوية –الثقافية –الاجتماعية –الاقتصادية –السياسية). مقدمة: ليست الأمثال الشعبية مجرد كلمات مسبوكة الجمل، تعتمد على السجع في الغالب، وتعكس مرآة الشعوب فحسب، بل تسهم في تشكيل ثقافة المجتمع وفلسفته وسلوكه، وتدفعه إلى الايجابية والتفاعل مع الآخرين. ومن ثم كان البحث في المثل الشعبي بحثاً في سلوك الأفراد في المجتمع ونشاطاتهم وأساليب تفكيرهم (أبو دف، 2:1999). وتأتي مصداقية المثل في التعبير عن الواقع من خلال تميزه عن أنواع الأدب الأخرى في كونه بعيداً عن سيطرة الحكام وسطوتهم، فلا يستطيعون أن يوقفوا قوله أو يمنعوا انتشاره. (شعلان، 5:1972). والشعب العربي الفلسطيني، الممتدة جذوره في أعماق التاريخ العربي، شكل عبر العصور مهداً للحضارة العربية، وكان له فضل السبق في مختلف الميادين، ذلك أنه شعب عاش المعاناة والعنت، وسلك درب المقاومة والنضال سنين طويلة، ومازال، مدافعاً عن هويته وكيانه ووجوده (عباس، وشاهين 9:1989). والمثل لم يترك في حياة الناس شيئاً إلا وله فيه قول فلا غرو أن يكون للمرأة في تراث هذا الشعب ذلك الكم الهائل من الأمثال الشعبية التي تغطي معظم جوانب أمورها الحياتية، حلوها ومرها. فكان خير معبر، بشكل أوضح عن سماتها الخاصة ذات الملامح الواضحة التي أسبغتها شخصيتها الفلسطينية مما أكسبها ذاتية مميزة استطاعت أن تحافظ عليها عبر سنين طويلة (المبيض، 11:1986). وبالرغم من أهمية دور المرأة ،علاوة على ذلك أهمية دور المثل وما له من ميزات في تكوين الشخصية الفلسطينية إلا أنه من الملاحظ ندرة الدراسات في البيئة الفلسطينية – وخاصة في قطاع غزة – في البحث عن صورة المرأة في الأمثال الشعبية الفلسطينية وتأصيل تلك الصورة ، ومن أهم ما كتب في هذا المجال دراسة جمعية إنعاش الأسرة والتراث الشعبي الفلسطيني في البيرة (1977) تناولت المثل الشعبي الفلسطيني، وتحدث المبيض (1986) في دراسته عن بعض الظواهر الجغرافية من خلال الأمثال التي تناولت البيئة. و قام الباحثان عباس وشاهين (1989) بجمع الأمثال الشعبية الفلسطينية في معجم، وأبو دف (1999) تطرق إلى القيم المتضمنة في الأمثال الشعبية الفلسطينية ، وتناول عووادة ومحافظة (2000) صورة المرأة في الأدب الشعبي الأردني والفلسطيني، إلا أن أحداً منهم لم يطرق مجالاً للمرأة في الأمثال الشعبية الفلسطينية ولم يؤصل لتلك الصورة. ومهما يكن من أمر فإن الأمثال الشعبية الفلسطينية تتعرض لمحاولات العولمة والطمس والتهويد وذلك بقصد إضعاف صلة المرأة بثقافتها وهويتها ومن هنا جاءت هذه الدراسة لتسلط الضوء على جانب حيوي من تراثنا الفلسطيني وكذلك لتبرز الصورة المشرقة للمرأة في المنظور الإسلامي. فمن خلال معايشة الباحثتين لواقع المجتمع الفلسطيني، لاحظتا استخدام الأمثال الشعبية الفلسطينية بشكل يسيء إلى المرأة ويحط من قدرها وليس هذا قاصراً على فئة بعينها بل من جميع فئات الشعب على اختلاف مستوياتهم الثقافية، وقد ترك مثل هذا الاستخدام آثاراً سلبية على شخصية المرأة لذا قررت الباحثتان الاهتمام بمثل هذه الدراسة مشكلة الدراسة: في ضوء ما سبق تتحدد مشكلة الدراسة في التساؤلات التالية: 1.ما الصورة المقدمة عن المرأة من خلال الأمثال الشعبية الفلسطينية؟ 2.ما مدى توافق هذه الصورة مع المنظور الإسلامي؟ 3.ما أهم التوصيات والمقترحات الملائمة للتعامل مع الأمثال الشعبية التي تناولت المرأة في ضوء التوجيه الإسلامي؟ أهداف الدراسة: تهدف الدراسة الحالية إلى: 1.تقديم صورة عن المرأة من خلال الأمثال الشعبية الفلسطينية. 2.الكشف عن مدى توافق الصورة المقدمة عن المرأة مع المنظور الإسلامي. 3.صياغة أهم التوصيات والمقترحات الملائمة للتعامل مع الأمثال الشعبية التي تناولت المرأة في ضوء التوجيه الإسلامي أهمية الدراسة: تكتسب الدراسة أهميتها من خلال كونها: 1.محاولة لتأصيل التعامل مع الأمثال الشعبية الفلسطينية في تعاملها مع المرأة. 2.تكشف عن بعض ملامح صورة المرأة الفلسطينية. 3.تبرز الصورة المقدمة عن المرأة من خلال الأمثال الفلسطينية. 4.تكتسب الدراسة أهميتها من خلال رصد الأمثلة كما وردت على ألسنة قائليها الذين توارثوها أباً عن جد وهو ما يضفي على هذه الدراسة مصداقية وأمانة في البحث. منهج الدراسة: استخدمت الباحثتان منهج تحليل المحتوى من الناحية الكيفية كأحد أنماط المنهج الوصفي. حدود الدراسة: الحد المكاني: مدينة غزة. الحد الزماني: 2005/2006. الحد الأكاديمي: تقتصر الدراسة على الأمثال التي تناولت المرأة الفلسطينية بكافة صورها( زوجةً _ بنتاً_ أماً ) مصطلحات الدراسة: يستخدم البحث المصطلحات التالية: 1-المثل الشعبي: وهو يعني "الأسلوب البلاغي القصير الذائع بالرواية الشفوية، المبيّن لقاعدة الذوق أو السلوك أو الرأي الشعبي". (العنتيل، 311:1972) 2-المرأة: المقصود بها الأنثى بنتاً أو أختاً أو أماً أو زوجة. 3- مدينة غزة: هي إحدى المدن الفلسطينية، تقع على دائرتي 30/31 شمالاً و24 شرقاً بالنسبة لفلسطين، وأهم ما يميزها هو الموقع الجغرافي على ساحل البحر الأبيض المتوسط (صالحة، 192:1997). و بلغ عدد سكانها 470.744 مليون نسمة و ذلك حسب إحصائية عام 2003 (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 47:2003). عينة الدراسة: جمعت الباحثتان ما يقارب من(200) مثل شعبي متداول على ألسنة كبار السن تم تسجيلها من خلال الدراسة الاستطلاعية التي وزعت على طالبات الجامعة ونساء مسجد الياسين في منطقة الشاطىء الشمالي بغزة وبعد جمعها تم حذف المكرر منها واستبعاد الأمثال التي تحتوي على ألفاظ غير مهذبة واستقرت الدراسة على ( 100) مثل تم إخضاعها للدراسة والتحليل. الدراسات السابقة: يمكن إجمال أبرز الدراسات المتعلقة بموضوع الدراسة على النحو التالي: 1.دراسة رزق (1988). حيث هدفت الدراسة إلى استخلاص أبعاد الصورة الإيجابية والسلبية، والعصرية والتقليدية المقدمة عن المرأة من خلال الإذاعة المسموعة،وتكونت عينة الدراسة من جميع برامج المرأة المقدمة من الخدمات الإذاعية للبرنامج العام والشرق الأوسط وإذاعة الشعب. وتوصلت الدراسة إلى وجود رابط واضح بين خروج المرأة للعمل وبين فشلها في حياتها الأسرية وكذلك وجود بعض النتائج الإيجابية حيث أثبت أن العمل قدم للمرأة عدداً من المزايا والنضوج الفكري واكتساب بعض المهارات. 2.قام عباس و شاهين(1989) بتجميع مئات الأمثال الشعبية الفلسطينية دون تحديد مجتمع الدراسة وقد رتب الأمثال حسب الحروف الأبجدية مع التعليق على بعضها بعد أن تحدث عن الظواهر التي تناولتها هذه الأمثال، و بلغ عددها ثلاث وعشرون ظاهرة. 3.وفي البيئة الفلسطينية قام المبيض(1995) بجمع (2369) مثلاً شعبياً ضمنها في كتاب ، حيث جمع الباحث الأمثال من المجالس العامة والخاصة وكبار السن ومن البادية والحضر ومن خلالها حاول الكشف عن ملامح الشعب الفلسطيني عبر الظروف التي مرت به. 4.وقام كناعنة( 1992) بجمع (1316) مثلاً أجرى للتحكيم (1004) مثلاً حيث اعتبرها صحيحة ومقبولة. وهدفت الدراسة إلى الربط بين الأمثال الشعبية والأبعاد الاجتماعية وأظهرت نتائج الدراسة أن هناك ارتباطا ذا دلالة وإحصائية على عدد ونوع الأمثال التي يعرفها الفرد ببعد الجنس والدين ونوع البيئة الاجتماعية والمنطقة الجغرافية ونوع الدراسة التي تخرج منها وحقل التخصص في الجامعة كما أوصى الباحث بإجراء دراسة تبين الترابط بين الأمثال الشعبية والأبعاد النفسية. 5.وقام علو ش (1995) بدراسة حول الأمثال والأقوال والتعابير المتداولة في بيرزيت الفلسطينية، وقد أشار إلى المعنى اللغوي للمثل وعلاقته بالبلاغة والقصة كما عرض لوظائف المثل الفصيح بالمثل العامي. 6.دراسة أبو دف( 1999) حيث جمع الباحث (700) مثل أخضعها للدراسة والتحليل وقام بمساعدته فريق من طلبة الجامعة الإسلامية حيث توصلت الدراسة إلى تأثير الأمثال الشعبية القوي في توجيه سلوك الفرد والجماعة لما لها من خصائص فنية وأدبية، وأكد على غنى الأمثال الشعبية بالقيم التي تستوعب مجالات عديدة في حياة الإنسان وتتوافق مع تعاليم الإسلام، وكذلك احتوت هذه الأمثال على نقائضهم لهذه القيم. وأوصت الدراسة بضرورة توعية المعلمين بأهمية الأمثال في توجيه الفرد والجماعة وحثهم على التعامل معها والاستفادة منها. 7.دراسة عواودة ومحافظه(2000) حيث هدفت الدراسة إلى إبراز صورة المرأة في الأدب الشعبي الأردني والفلسطيني وتنوعت هذه الدراسة بين الأمثال والأغاني والحكايات. فحللت أدوار المرأة في الأمثال الشعبية الفلسطينية والأردنية بنتاً وزوجة وأماً وحماة وزوجة ثانية ثم تطرقت إلى بعض صفات المرأة من خلال الأمثال الأردنية والفلسطينية. تعليق على الدراسات السابقة: من خلال استعراض الدراسات السابقة يتضح ما يلي: -اهتمت الدراسات جميعها بجمع الأمثال وتدوينها فمنها ما اهتم بالكشف عن المضامين التربوية كدراسة علوش( 1995) ومنها ما اهتم بالقيم المتضمنة للأمثال كدراسة أبو دف(1999) ومنها ما ربط بينها وبين الأبعاد الاجتماعية كدراسة كناعنة (1992). -كما أكدت الدراسات السابقة على تأثير الأمثال الشعبية في سلوك الفرد والجماعة. -استفادت الباحثتان من الدراسات السابقة من خلال التعرف على المنهج المناسب لدراسة الأمثال الشعبية، كما اعتمدتا عليها في إثراء الإطار النظري للدراسة،
تميزت هذه الدراسة في كونها ركزت على دراسة "صورة المرأة" من خلال الأمثال الشعبية الفلسطينية ومدي توافق هذه الأمثال مع التوجيه الإسلامي كما أنها وضعت صيغة تربوية للتعامل مع الأمثال التي تناولت المرأة من منظور إسلامي. خطوات الدراسة: تسير الدراسة وفق الخطوات التالية: -أعدت الباحثتان دراسة استطلاعية وزعت على طالبات الجامعة الإسلامية كما طلب منهن أن يجمعن الأمثال من كبار السن الموجودين لديهن. -تم جمع الدراسة الاستطلاعية و حذف المكرر منها واستبعاد الأمثال التي تحتوي على ألفاظ مبتذلة. -قامت الباحثتان باختيار عينة الدراسة بحيث احتوت على الأمثال التي تناولت المرأة سواءً كانت أماً أو زوجةً أو أختاً أو ابنة سواءً التي عبرت عنها باللفظ الصريح أو الضمير الدال عليها. -صوغ الإطار النظري للدراسة -تحليل محتوى عينة الأمثال الشعبية الفلسطينية -تصنيف تحليل المحتوى إلى مجموعة العلاقات بين المرأة وأطراف المثل -تم عرض التحليل والتصنيف على عينة من خبراء التربية والمختصين والأخذ بتوجيهاتهم و إرشاداتهم . -تم وضع الشكل النهائي للتصنيف وتوضيح مدى توافق الأمثال مع التوجيه الإسلامي . -وضع بعض المقترحات الملائمة للتعامل مع الأمثال الشعبية التي تناولت المرأة من منظور إسلامي. الإطار النظري للدراسة المرأة الفلسطينية بين الماضي والحاضر: لا يمكن معرفة الوضع الحالي دون الرجوع إلى الماضي لاستقراء الأحداث الماضية، والإلمام بالأدوار التي تقلبت فيها.وإذا ما تتبعنا التاريخ رجوعاً إلى الوراء عدة قرون لنتبين أوضاع المرأة عبر الأجيال السالفة لوجدنا أن المرأة في تطورها مرت بمراحل متغيرة نهضت في بعضها وتخلفت في البعض الآخر تبعاً للفترة الزمنية التي عاشتها. ففي العصر الجاهلي كان وضع المرأة سيئاً حيث اعتبرت رجساً من عمل الشيطان، وإنها من عمل إله البشر فبدأت عادة التخلص منها بوأدها عقب ولادتها، وكان للرجل الحق في الزواج بأي عدد يريده من النساء. (رزق، 8:1988). ومع دخول الإسلام أخذت المرأة حقوقها كاملة "فقد نقلها الإسلام من متاع موروث إلى إنسان يرث ، فتأخذ من تركة زوجها وذويها نصيباً مفروضاً، وتقف مع باقي الورثة على قدم المساواة (شلبي، 22:1979) وقد نظر الإسلام إلى المرأة نظرته إلى الرجل من الوجهة الإنسانية ومن وجهة كمال الشخصية والحقوق، فالإسلام يقرر للمرأة حقوقاً كاملة في الملكية، فهي حرة التصرف كالرجل تماماً (عبد الباقي، 38:1981) ويسجل التاريخ عن المرأة المسلمة أنها بلغت أقصى درجات العلم والأدب والثقافة ، وكان من بينها الكاتبة والشاعرة والخطيبة والطبيبة والمشتغلة بالسياسة، بل بلغت مركز الأستاذية، يجلس أمامها الشيوخ والطلاب ويستمعون إليها ويقرؤون عليها (رضا، 13:1975) إلا أن هذا المركز تعرض للانتقاص في بعض فترات التاريخ ،و خاصة في عصر المتوكل على الله والقادر بالله العباسيين حيث صدرت الأوامر بمنع النساء من الصلاة في المساجد ، ومنعهن من مخالطة الرجال ، وفرض عليهن القبوع في عقور ديارهن ، كما يرى المؤرخون أن عصر محمد علي يعتبر أول العصور التي حملت في طياتها نهضة المرأة الحقيقية، (ورزق, 115:1988) والمرأة الفلسطينية ليست ببعيدة عن هذه التغيرات التي طرأت على العالم من جاهلية إلى إسلام. فمنذ احتلال الضفة الغربية و قطاع غزة و بعد هزيمة عام 1967 مورست شتى أنواع الضغوط الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و العسكرية مما أحدث اضطرابا هائلا و بطالة على نطاق واسع فاضطر الكثير من الفلسطينيين إلي العمل داخل ما يسمى "بإسرائيل " بأقل الأجور. كما مارس الاحتلال إجراءات إدارية متعسفة ، يقيد الاقتصاد الوطني و يمنع من الاستقلالية، كفرض الضرائب الباهظة ،و إغراق السوق المحلية بالبضائع الإسرائيلية، و باستمرار هذا التدهور الاقتصادي ازدادت حاجة المرأة للعمل تحت ضغط الأوضاع المعيشية، مما جعلها تتحمل أعباء أضافية ، من أجل تحسين وضع الأسرة المعيشية ، إلى جانب أعبائها المنزلية ، و تربية أبنائها، و تحملها للمشكلات الاجتماعية التي نتجت عن هذا الواقع كالزواج غير المتكافىء ،و ازدياد حالات الطلاق (اللجنة الوطنية 47-45:1995 ). وهذا الوضع أحدث خلخلة في المفاهيم التقليدية اتجاه المرأة, و تراجع نفوذها، و حد من قدراتها ،مما دفعها إلي تقوية دورها و مكانتها الاجتماعية من خلال اندفاعها نحو العمل ،مهما كان نوعه. و قد انعكس ذلك ايجابيا على تطور دورها الاجتماعي ،و ارتفاع مستوى تعليمها, و من ثم استطاعت انتزاع بعض حقوقها التي عززت مكانتها. (إسماعيل،2000 :1) و كل ذلك لا يعني أن المرأة الفلسطينية استطاعت أن تتحرر تماما من العادات و التقاليد التي سلبت حريتها – في بعض الأحيان – كما أن المؤسسات التي انضمت تحت لوائها لم تستطع أن تفهم قضية المرأة الحقيقية ،و اعتبرتها أمرا ثانويا خصوصا في الفترة ما بين (1967 – 1987) (إسماعيل, 2000: 10 ). لهذا لم يعد دور المرأة الفلسطينية قاصرا على تربية الأبناء و تقديم الدعم المعنوي, فقد تميزت عن غيرها من نساء العالم بقدرتها الفائقة على التضحية والعطاء، فكانت على الدوام المربي الأول لجيل المجاهدين في سياق مقاومة الاحتلال الصهيوني ، كما قدمت ابنها و زوجها و أخيها و أبيها, بل و أبدعت في ميدان الجهاد فكان هناك الاستشهاديات اللواتي قدمن أرواحهن رخيصة في سبيل الله في الدفاع عن تراب الوطن المقدس. و اليوم جاء الوقت لتدخل المرأة الفلسطينية معترك الحياة السياسية ،بعد أن خاضت تجربة العمل الطلابي و الاجتماعي، ثم دخولها البلديات و المجالس المحلية لتصل إلي قمة البرلمان في المجلس التشريعي حتى أصبحت تشارك في صنع القرار الفلسطيني. ما أبرز الصور التي قدمتها الأمثال عن المرأة؟ بالرغم من أن -الأمثال الشعبية الفلسطينية قيلت منذ مئات السنين، إلا أنها ما زالت تقال آلاف المرات في التجمعات الفلسطينية ، رغم البطولات التي قدمتها المرأة الفلسطينية في سبيل استعادة حقوقها القومية وإقامة دولتها المستقلة على تراب أرضها (عليان،2000: 125). وللأمثال الشعبية الفلسطينية موقفان من المرأة في آن واحد: 1.موقف إيجابي حيث تقف الأمثال بجانب المرأة، وترفع من شأنها وتقدر مكانتها_ وهي قليلة_. 2.موقف سلبي حيث تقف الأمثال ضد المرأة وتحط من شأنها وتنظر إليها نظرة دونية. ومن أهم الصور التي قدمتها الأمثال الشعبية عن المرأة ما يلي: أولاً: الصورة التربوية ثانياً: الصورة الاجتماعية ثالثاً: الصورة الثقافية رابعا: الصورة الاقتصادية أولاً : الصورة التربوية: للأمثال أهمية تربوية كبيرة فهي تعد وسيلة تربوية بما فيها من تذكير و وعد و تقدير للمعالي و كذلك احتوائها على غرس الخلق الكريم كالعفة و الصدق و الشجاعة وهو سلاح في مواجهه الشذوذ و الانحرافات و الرذائل. (أبو دف، 10:1999). و هو أسلوب تعليمي ذائع بالطريقة التقليدية، يوصف في غالب الأحيان بعمل يصدر حكماً على وضع من الأوضاع، وكذلك أسلوباً تربوياً تعليمياً يرسم طريق العمل، كما يقوم بدور الناقد لوضع من الأوضاع. ( شعلان، 1972 3-20). -و لقد طالبت الأمثال الشعبية الفلسطينية الأم أن تكون المربية الحقيقية الأولى_ وهي كذلك _ بحكم طبيعتها "ما بربي الصوص إلا أمه" وليست غيرها بأنانية كبيرة، "إلي أمه في البيت بياكل خبز وزيت" "ربي يا خايبه للغايبه" كل ذلك في المرحلة الأولى من مراحل التربية. -ويبدأ المثل أيضاً بالإشارة إلى حاجة البنت للتوجيه والإرشاد قبل الزواج وبعده حيث تكون غالباً نسخة كربون عن أمها "اقلب الجرة على فمها بتطلع البنت لأمها". -وكذلك أدركت ثقافة المجتمع الدور العظيم الذي تقوم به المرأة تجاه زوجها وبيتها "وراء كل رجل عظيم إمرأة" تقف بجانبه تقوي عزائمه وتريح أعصابه وتغذي عواطفه وتخلق له أجواء ينقي بها ذهنه وعقله ليجد ويعمل وبذلك يقول المثل "المرأة المليحة بتعمل من الهامل زلمة". -وكذلك لا تتركه يعاني وحده بل تشاركه في كل ما يطلب منها بكل سعادة فيقول على لسانها "نار جوزي ولا جنة هلي". -رغم كل هذا التنازل من المرأة إلا أن المجتمع لا يرحمها إذا قوبلت بالرضا من زوجها، بل يصب المجتمع غضبه على الزوج "شلح عقاله ولبسه لمرته"، كذلك فالزوج لا يجرؤ أن يحترم زوجته أو يناديها باسمها أو بأم فلان ولكن يناديها "ياوليه" "يا ينت" "يا هي". -وفي حالة عدم صلاح الزوجة وعصيانها لزوجها واهمالها لبيتها وأطفالها ينعكس بالمرض والشقاء على الزوج، بل تبقيه عليلا طريح الفراش كما يصفها المثل "يا ويل اللي علته من مرته يموت والطبيب حداه". حتى وإن نصح بطلاقها فإنه يكون في حالة يئس نظراً لتجربته الفاشلة "قالوا طلق أم حسن وخذ أم حسين قلت يلعن التنتين". ثانياً: الصورة الاجتماعية للمرأة في الأمثال الشعبية الفلسطينية: صورت الأمثال المرأة الصالحة كما رسمتها ثقافة المجتمع فهو يعطيها صورة مكفهرة وقاسية عن مركزها الاجتماعي والأمثال في مجموعها تجمع بين طياتها مخلفات تلك العصور المظلمة التي مرت بها لكن هكذا التراث (عثمان 74:1977) ويمكن إجمال تلك الصورة على النحو التالي : -أن المرأة عبء ثقيل يجب التخلص منه، حيث يرى في المرأة عورة وفي موتها نعمة كبرى لأهلها "اللي بتموت وليته من صفاية نيته". -وإذا كانت هذه النظرة السائدة _ في تلك الفترة_ فمن الطبيعي أنهم يجدون قلة الراحة والقلق تجاه إنجاب الإناث "اللي بخلف بنت عمره ما برتاح". -بل يصبح للمرأة قيمة وحظ وافر عند إنجاب الذكور "ولد وبشارته ولو بموت بساعته" "لما قالولي غلام أنسند ظهري وقام، ولما قالوا لي بنيه وقعت الحيطة عليً" -على الرغم من تلك النظرة المتدنية لإنجاب الإناث إلا أنها تبقى أفضل من عدم الإنجاب "جياب البنات ولا قعاد البطالات". -وعندما تكبر البنت وتكون جيدة فإن النظرة تختلف قليلاً "أولهن شماته وآخرهن حسد". هذه الصورة الاجتماعية السريعة _ وإن كانت مجحفة _ إلا أن المرأة بإنجابها تأخذ قدراً من الاحترام والتقدير " بخت المليحة فضيحة" هذا الاحترام لن يخرج من أن تكون عاملة في مطبخا " المرأة لو وصلت المريخ آخرتها للطبيخ" وأنهن ناقصات عقل وبالتالي يقال في المثل "المرأة بنص عقل" وبالتالي لا تستحق مشاورتها وائتمانها ومشاركتها في نظر المجتمع " شاوروهن وخالفوهن" " وما بشاور المرة إلا مرة". وكذلك المرأة في نظر المجتمع ضلع قصير تحتاج إلى وصاية ، وبالتالي فهي وديعة يجب إكرامها " النسوان وديعة الأجاويد" ، و هم يعتبرون أن زواج البنت سترة ، ويجب السعي إليه بكل الوسائل "البنت إما تسترها وإما تقبرها" " دور لبنتك قبل ما تدور لابنك" فهل عند تزويجها ينتهي هم الأهل بل يعتبرون همها لا ينتهي حتى الممات "هم البنات للمات". أما موضوع العار والشرف فهو تغير قائم بحد ذاته نظراً للظلم الذي يقع على المرأة، إلا أن معايير ومعتقدات المجتمع لم تعاقب الرجل في المقابل ؛ وتعود هذه النظرة إلى الجاهلية الأولى التي وأدت البنات خشية العار والفقر وكانت البنت عنصر مستهلك وغير منتج على الرغم من مشاركتها في أعمال البيت والحقل إلى جانب الرجل . وليس بالغريب أن عملها غير معترف به على صعيد الحياة الاقتصادية والاجتماعية في بعض الثقافات والمجتمعات (الخشاب، 25:1983) -ولم يكن إذلال المرأة واضطهادها وحرمانها من حقوقها وليد الصدفة إنما جاء كنتيجة حتمية إثر انتقال خط النسب الأمومي إلى خط النسب الأبوي، فهو يعتبر هزيمة تاريخية للجنس النسائي فقد أخذ الزوج دفة القيادة في البيت وحرمت الزوجة من مركزها المشرف. والمجتمع الفلسطيني رغم خصوصية وضعه إلا أنه يعتبر مجتمعاً ذكورياً وهذا التمييز يُلمس من خلال تفاعلاته الاجتماعية (عليان ، 26:2000) ثالثاً : الصورة الثقافية: يقدم المثل الشعبي الفلسطيني معطيات ثقافية منوعة وعديدة، فهو في إطار إثراء المعلومات يعتبر مصدراً من مصادر المعرفة لدى الشعب، وكل مثل من أمثال المعطيات الثقافية يقدم معلومة لها أهميتها في حصيلة حضارة الشعب وحياته الثقافية ( عباس، وشاهين 38:1989). فمقياس أخلاق المرأة في نظر المجتمع من خلال أمثاله هو اتسامها بالهدوء في حركاتها وسكناتها ، فإذا ظهر منها خلاف ذلك أعطى الحق للرجال بالإقدام على فعل ما يحلو لهم ، وقد عبر عن ذلك المثل القائل "إن بيًن نابها الحقها ولا تهابها" -وكذلك حذرت ثقافة المجتمع من المرأة التي لا يوجد من هو مسئول عنها، فتتصرف دون أن تحسب للعواقب حسابها وفي ذلك يقول المثل "دايرة على حل شعرها". -وكذلك أشارت ثقافة المجتمع في الأمثال إلى أهمية الزواج من المرأة ذات الخلق القويم والشخصية البناءة فقال المثل "خذ الأصيلة ولو على الحصيرة" "بنت الرجال ما بتستحي من الرجال". -وكذلك للعقل وزناً في الأمثال يتحدى كل المقاييس في نظرهم تفوق الجمال "العقل زينة" "وما حلاة إلا حلاة العقل" حيث أعطت موضوع الجمال بالنسبة للمرأة دور بالغ الأهمية وللجمال اعتبار آخر في ثقافة المثل "الحلو من حلاتها" – "الحلوة حلوه ولو قامت من النوم" وكان الجمال مصدر السعادة والراحة للرجال والنساء على حد سواء. -وتضمنت الأمثال ثقافةً انتشرت بين أفراد المجتمع وهي البحث عن الجمال والزينة و التركيز على البياض والطول "يا ما خذ البيض يا مقضي الزمن فرحان" ويدعو المجتمع الفتاة أن تحافظ على شكلها وزينتها "إن كنت زينة خبي زينك" ويدلها على مواطن الزينة "البنت بلا حلق داليه بلا روق"، ويطالبها إن لم تكن كذلك أن تبحث عن مصادر للجمال "إن كنت وحشة كوني نغشة". وذلك حتى تنال إعجاب الآخرين سواء باللطف والحكمة في التصرف وغيره. -وهكذا عبَر المثل عن الصورة الثقافية للمرأة التي تعكس ثقافة المجتمع الفلسطيني. رابعاً : الصورة الاقتصادية: لما كان الاقتصاد في أي مجتمع شغل أفراده الشاغل, فهم يبذلون أقصى جهودهم للحصول على حياة كريمة توفر لهم مستلزمات عيشهم لذا عكست الأمثال تلك الصورة على خير وجه, كي تتحرر من النظرة الدونية التي وصمت بها, و من تبعيتها الاقتصادية. فقال المثل: "من شغلت العشرة عاشت مخنصرة " كما صور المثل وضع المرأة في عملها في البيت و خارجه, و أشاد بالمرأة النشيطة سريعة الحركة، تحركها الحرارة بسرعة و تضعها أمام مسئولية بيتية كبيرة "زى الحبة في المقلا " وإذا كان الرجل يسعى و يجلب الرزق فعلى المرأة أن تبني و لا تبذر, بل تكون أشد حرصا و مهارة " الرجل جنىّ و المرأة بنىّ" و من أراد أن يحسن اختيار زوجته فعليه أن يختار الزوجة ذات القدرة الفائقة على رعاية منزلها كما جاء في المثل "في نسا " كما يطلب منها أن تكون ماهرة في إعداد الطعام " شهادة البنت مطبخها " و تجيد الخبز كذلك بقية الأعمال المنزلية. و كذلك مطلوب من المرأة أن تكون اقتصادية في بيتها, إدارية في شئونه و كذلك امرأة من هذا النوع و يدعى لها بطول العمر "ريت المعدل ما يموت و لا يحطوه في تابوت " 4-(خيط المعدلة ذراع, و خيط المايلة باع ) و المايلة هي التي لا تستطيع إدارة شئون بيتها, فهي كسولة لا تتحرك بل يطلق عليها عفنه و كذلك فهي غير متفرعة لشئون بيتها بل ( في النهار بتسكر بيتها و في الليل بتحرق زيتها ) 5-" البيت معمور و صاحبته في الدور " و من هنا يظهر مدى الهجوم على المرأة الهاملة المايلة التي تقصر في إدارة بيتها و لا تستطيع تنظيم أموره. و أشارت الأمثال أيضاً للمرأة التي تعتمد على نفسها و عدم الركون على غيرها (الشاطرة بتقضي حاجتها و الهاملة بتنده جارتها ) و كذلك مطلوب منها التدبير في كل شيء حتى في وقود خبزها (المرأة الشاطرة بتخبز من غير وقود, و الهاملة بتنجز بكارة حطب ) ليس هذه فحسب وإنما حمّلت الأمثال المرأة مسئولية الغنى و الفقر "المرأة عمارة" "غناه من مرته و فقره من مرته". وهكذا استطاعت الأمثال الشعبية الفلسطينية أن ترسم لنا صورة واقعية لحياه المرأة الفلسطينية. | |
|
أبو عبدالله المدير العام
الأوسمة :
عدد المساهمات : 3550 نقاط : 58144 السٌّمعَة : 6 تاريخ التسجيل : 30/10/2010
| موضوع: رد: صورة المرأة في الأمثال الشعبية الفلسطينية الأحد يناير 08, 2012 5:13 pm | |
| | |
|