أبو عبدالله المدير العام
الأوسمة :
عدد المساهمات : 3550 نقاط : 58144 السٌّمعَة : 6 تاريخ التسجيل : 30/10/2010
| موضوع: التراث الشعبي الفلسطيني في الرحلات العربية الأحد يناير 08, 2012 5:36 pm | |
| فؤاد عباس إبراهيم
تمتلئ المكتبة العربية بكثير من كتب الرحلات مثل: (مروج الذهب ومعادن الجوهر) للمسعودي ( وأحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ) للمقدسي ( وتذكرة الأخبار عن اتفاقات الأسفار ) لابن جبير و (معجم البلدان) لياقوت الحموي، ورحلات ابن بطوطة التي لخصت في كتاب ( تهذيب رحلة ابن بطوطة) وغيرها الكثير. وفي الأدب العرب الحديث رحلات خاصة بِبَرّ الشام, ويشمل ذلك فلسطين, أو خاصة بفلسطين ذاتها، مثل: رحلات عبد الوهاب عزام إلى بر الشام، ورحلات المازني إلى بر الشام وغيرها.
ونحن قد نجد في بطون كتب الرحلات الكثير من أخلاق وعادات المجتمع العربي، ومعتقداته، وأوابده وأساطيره، بالإضافة إلى أخبار الأنبياء والأولياء والمزارات، ونعثر على أحاديث عن الأعياد والمواسم والحفلات في المصادر العربية والإسلامية, ووسائل التسلية وشغل أوقات الفراغ, وإشارات إلى المأكل والمشرب, والأزياء, والطب الشعبي, والمآتم والأفراح وأشباهها, كما نطلع على تقاليد التجارة والزراعة والصنعة, والأسواق وأشكال العمران, والزخارف للمساجد والمنازل, وهيأة الأزقة والحواري والشوارع, وملاءمتها للأجواء الاجتماعية والشعبية, كما يمكن أن نعثر على أحاديث عن سائر المهن الشعبية, وطبقات المجتمع على اختلاف الأنواع والضروب؛ كالفلاحين وعاداتهم, والرعاة ومزاميرهم وأسمارهم, والبدو في حلهم وترحالهم, والندماء وألغازهم, ومعلمي الصبيان وصبيانهم, وعامة الشعب وأهازيجهم وأمثالهم . ( راجع لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع كتاب الطوائف الحرفية في بيت المقدس في القرن السابع عشر، إعداد المرحوم الدكتور محمود عطا الله, أستاذ التاريخ بجامعة النجاح الوطنية سابقا, ودراستنا عنه التي نشرت في مجلة المأثورات الشعبية في قطر).
من هنا فإننا نتوقع أن الدائرة الأوسع التي يمكن تكوينها على ضوء دراسة كتب الرحلات العربية المشهورة, إنما هي دائرة التراث الشعبي بشكل عام, لكل العرب, أي التراث الشعبي العربي . ولا شك أن كتب الرحلات العربية هي إحدى تصانيف كتب التراث العربي التي عقدت الآمال على فرز التراث العربي من محتواها لإغناء الدراسات العربية بمنابع التراث الشعبي العربي الأصيل . وفي دائرة أضيق يمكن أن نعثر على نماذج من التراث الشعبي, كما هي في بر الشام, وفي دائرة أضيق أيضا, يمكن العثور على جزيئات تلتصق بالمدن والقرى والبوادي الفلسطينية .فنحن إذن, يمكن أن نستخلص التراث الشعبي الفلسطيني في الرحلات العربية المشهورة من ثلاثة أطر:
1ـ إطار التراث الشعبي العربي بعامة فنكتشف ما يمكن اعتباره جذورا عربية للتراث الشعبي الفلسطيني كما هو في هذه الرحلات. 2ـ إطار التراث الشعبي لبر الشام فنرى ما يطبق بالفعل في فلسطين باعتبارها جزءا من بلاد الشام 3ـ الجزئيات الخاصة بفلسطين مباشرة.
ويهمنا في هذه الدراسة العجالة أن نسهم في كشف بعض الجزئيات المباشرة الخاصة بفلسطين في أمهات الرحلات العربية المشهورة, نذكرها على سبيل الأمثلة, لا على سبيل الحصر. وإذا كانت رحلات بعض الأدباء في الأزمنة الغابرة قد أوحت لهم بكتب الرحلات والجغرافية, كما فعل ابن جبير وابن بطوطة والمسعودي وغيرهم, مع تفاوت العصور, فإن رحلات أدباء آخرين قد أوحت لهم بكتابة التاريخ والسير, كما فعل البلاذري في كتابه (فتوح البلدان) وهو الذي كان قد قام قبل وضعه الكتاب برحلة إلى الشام سنة 218 هـ, وينبئ عن ذلك تكراره القول: روى مشايخ البلاد كذا وكذا في كتاب ( فتوح البلدان ) وفي معرض حديثه عن فتح المدن الفلسطينية على أيدي الرعيل الأول من القادة العرب, تحدث عن طاعون (عمواس) سنة 18 هـ, وذكر أنه توفي بطاعون عمواس عدد كبير من المسلمين منهم أبو عبيدة بن الجراح, ومعاذ بن جبل, والفضل بن عباس, وشُرَحبيل بن حسنة وسهيل بن عمرو, والجدير بالذكر هنا أن الطاعون ترك بصماته على فلكلور (عمواس) والمنطقة المجاورة لها من حيث الأمثال الشعبية, ومن حيث التاريخ بالأحداث الجسام, وليس بالسنين في بعض الأحيان .
ونفتح كتابا آخر, إنه كتاب (المسالك والممالك) ألفه سنة 934م أبو إسحق إبراهيم بن محمد الإصطخري, تحدث عن موقع في فلسطين سماه مدينة (زُغَر) القديمة، التي كان موقعها قرب غور الصافي على شاطئ البحر الميت، ويستشف من حديثه ارتباط الموقع بأخبار النبي لوط (1) (عليه السلام) وتحدث عن الآثار الإسلامية والمسيحية؛ فوصف مسجد القدس, وكنائس بيت لحم, وما ارتبط بها من العادات والأخبار, فقال: إن في كنيسة منها قطعة من النخلة التي أكلت منها مريم, وهي, أي النخلة, مرفوعة عندهم يصونونها (2). ومن رحلات القرن الرابع الهجري، أيضاً، نعثر على علي بن الحسين بن علي المعروف بالمسعودي, وتفصيلات رحلته جاءت في الأمور كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر) الذي تضمن بعض الأساطير. وقد تحدث المسعودي عن الأنبياء الأُول، ومدى اتصال سيرتهم بفلسطين، مثل إبراهيم وابنه إسماعيل، وداوود وسليمان وموسى وعيسى عليهم السلام، وتحدث عن الأوائل وكيف صار (يعرب) إلى اليمن (وعاد) إلى الأحقاف، وكيف كانت (إرم ذات العماد) بدمشق، وكيف نزل (ثمود) الحجر، وكيف اتجهت (طسم نحو البحرين (وجديس) إلى اليمامة، ثم كيف أن بعضا من ملوك (العماليق) كانت بفلسطين (3). ثم عاد المؤلف فأوضح، بما لا يدع مجالا للشك, أن كنعان بن حام نزل بلاد الشام، فهم الكنعانيون، وبهم تعرف تلك الديار فقيل: بلاد كنعان (4).
ولم يغفل المسعودي ذكر فلسطين حتى في الأساطير التي ذكرها عن أنواع الجن, وعن العنقاء" وهي طائر خرافي غريب الشكل والحجم والتصرف " قال:" إن هذا الطير نشأ في أنحاء بيت المقدس ثم انتقل من هناك إلى نجد والحجاز في ديار قيس عيلان "(5). كما لم يغفل أخبار فلسطين وأحوال أهلها من خلال حديثه عن رحلة الشتاء والصيف, وسنحاريب, والإسكندر الأكبر, وقادة الرومان, والغساسنة من بني جفنة, والفتوح والممالك العربية والإسلامية). أما أبو عبد الله محمد بن أبي المقدسي, فقد عاش في القرن العاشر الميلادي, عندما كان بنو حمدان يسيطرون على شمالي بر الشام, والفاطميون يسيطرون على جنوبي بر الشام ومنه فلسطين, وأتم تدوين كتابه (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ) في عام 685 م. وذكر المقدسي من أسماء البحر الميت بفلسطين : بحيرة لوط, والبحر الميت, والبحيرة المقلوبة, ولكنه لم يفسر لنا سبب تسميتها بالمقلوبة (6). وتحدث عن رغيف العيش كما يخبز في (عاقر) من قضاء (الرملة( بفلسطين (7) وعن جميز عسقلان وعن ذرية أصحاب أبي هريرة المدفونين في قرية ( يبنه ) جنوبي يافا (8(. وكانت رحلة الفيلسوف أبي حامد الغزالي ( 1095 ـ 1111م ) إلى فلسطين قد أوحت إليه بكتابة أجزاء رئيسية من كتابه (إحياء علوم الدين)؛ ففي مدينة القدس كتب الجزء الخاص بقواعد العقائد من كتابه, ومن القدس توجه إلى الخليل لزيارة مقام سيدنا إبراهيم, وشاهد في القدس المقدسات الطاهرة من خلال النفحات الروحية أن الطريق الصوفي هو الموصل إلى المعرفة اليقينية والسعادة الحقيقية, بعد أن تبين له أن العلوم الدنيوية التي درسها لم تكن كافية.
أما الحسين محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي فقد وضع كتابه (تذكرة الأخبار عن اتفاقات السفار )المعروف لدينا باسم (رحلة ابن جبير) وكانت رحلته قد استغرقت أكثر من ثلاث سنوات ( من 19 شوال سنة 578 هـ حتى 22 محرم سنة 581 هـ الموافق من 3 فبراير سنة 1182 م حتى 25 نيسان ابريل من عام 1185 م (.
وقد لاحظ ابن جبير احترام نصارى بر الشام للمسلمين, فهم إذا رأوا بعض المنقطعين منهم جلبوا لهم القوت, وفي ذلك لفتة صادقة إلى تعاون المسيحيين من العرب مع المسلمين ضد الغزاة الأجانب في الحروب الصليبية, وقد أفرد ابن جبير فصلا بهذا المعنى وضع له عنوانا هو (الحرب واتفاق النصارى والمسلمين) (9) ولا شك أن تفسير ذلك إنما يعود إلى انتمائهم إلى أرض واحدة وتراث شعبي مشترك. ويصف ابن جبير أحد مساجد مدينة (عكا) ويذكر أن عند محرابه قبر النبي صالح, عليه السلام, ويذكر في شرقي (عكا) عينا باسم عين البقر, عليها مكان مسجد، ويقدسه السكان المسلمون والنصارى على السواء, وإنه يقال إن الله أخرج من تلك العين البقر لآدم ( 10(.
أما ياقوت الحموي ( ت625هـ 1229م ) فقد كتب (معجم البلدان) بعد أن رحل للتجارة ومعرفة البلدان ثلاث مرات, أتبعها بأخرى لم تنقطع إلا قبل وفاته بعامين فقط . وتحدث (ياقوت ) عن حمّامات ( الحسينية ) قرب (طبرية) وقال : " إن فيها اثنتي عشرة عينا يختص ماؤها بعلاج مرض معين؛ إذا اغتسل منه المرء شفي من مرضه" (11). وعندما ذكر ( رأس الناقورة ) في أقصى شمالي فلسطين أكد ياقوت أنه رأس جبل زعموا أن الإسكندر نقره ليسلك إلى طريق شماليه, فسمي بالناقورة(12). وأما محمد بن عبد الله بن محمد إبراهيم اللواتي الطنجي, المعروف المعروف بابن بطوطة, فقد قام برحلاته في القرن الرابع عشر الميلادي, وهي ثلاث رحلات, وكان بر الشام بما فيه فلسطين قد ورد في رحلته الأولى : ( بين عامي 1325 ـ 1349 م (.
وصف ابن بطوطة مسجد الجاولى بمدينة غزة بفلسطين, كما وصف أسواقها، وصف مسجد مدينة الخليل وارتباط الجن ببنائه, وتحدث عن قصة إسراء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, إلى القدس, وأن جبريل مر بالرسول على قبر إبراهيم في الخليل, وعلى مهد عيسى من بيت لحم ليصلي عند كل منهما, قبل أن يأتي به إلى الصخرة في القدس, وأسهب ابن بطوطة في الحديث عن قبور الأنبياء بمواقع مختلفة من فلسطين, كما تحدث عن ديار قوم لوط, وذكر كثيرا من مزارات الأولياء الصالحين في منطقة (الخليل، القدس، البحر الميت) والأخبار المتعلقة بهم, وكذلك عن مدينة القدس نفسها : فوصف المسجد الأقصى بالتفاصيل, والمشاهد المباركة فيه .
وتحدث ابن بطوطة عن مشهد سيدنا الحسين بن علي _عليهما السلام _ في أرض عسقلان بجنوبي فلسطين, وعن وادي النمل الذي بظاهر عسقلان, ولكنه لم يخبرنا بشيء عن موسم وادي النمل الشعبي في تلك البقعة، وتحدث عن شهرة أهل نابلس بصناعة الحلويات, ومنه الحلواء الشعبي المصنوع من لب الخروب. وثمة رحلات في عصرنا الحديث إلى بر الشام، بشكل عام أو إلى فلسطين على التحديد, بعضها نشر في كتب, وبعضها نشر على شكل مقالات, ومن هذه الرحلات المشهورة رحلات عبد الوهاب عزام في عام 1940 ورحلة الشام لإبراهيم عبد القادر المازني في عام 19360. (ورحلة عز الدين التنوخي (من الزرقاء إلى قريّات الملح) أو: الرحلة التنوخية، التي حققها، ونشرها في عمان، الدكتور يحيى جبر عام 1985م ي.ع. (
وفي رحلات عبد الوهاب عزام حديث عن غار لشمشون الجبار, في الطريق بين اللد والقدس بفلسطين (13) وعن كنافة نابلس (14) وعن محتويات التكية البخارية في القدس, وبلداتها (15(. الهوامش:
1. المسالك والممالك ، الإصطخري ، طبعة القاهرة ، 1961 ، ص : 45 2.المصدر نفسه ( ص : 43 ـ 48 .( 3. مروج الذهب ومعادن الجوهر ، المسعودي ، المكتبة العصرية ، بغداد ، ج2 ، ص : 52 4.المصدر نفسه ـ ج2 ، ص: 61 5.المصدر نفسه ـ ج2 ، ص125 6. أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم - أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي ، طبعة لندن ، 1877 م ، ص : 22 7.المصدر نفسه ، ص 153 8.المصدر نفسه ، ص 174 9. رحلة بن جبير دار صادر ، بيروت ، طبعة 1964 ، ص 252 ـ 260 10.المصدر نفسه ص 270 11. معجم البلدان ياقوت الحموي ج3 ص312 ـ 313 12.المصدر نفسه ، ج4 ، ص392 ـ 399 13. رحلات عبد الوهاب عزام ، مطبعة الرسالة ، 1950 ، ص4 14.المصدر نفسه ، ص10 15.المصدر نفسه ، ص 406 | |
|