في المجتمع الفلسطيني تشير التقارير والإحصاءات المتداولة إلى انتشار ظاهرة العنف العائلي بشكل ظاهر، وهناك العديد من التشريعات المجرّمة للعنف العائلي. بالإضافة الى القوانين الأخرى التي تضمن حقوق الإنسان وحريته والتي بينها قانون تعزيز الحرية.
ويعتبر تناول موضوع العنف العائلي انطلاقاً من خصوصية المجتمع الفلسطيني إثراءً لدراسة ظاهرة العنف العائلي على المستوى الإقليمي والعالمي ومشاركة في الجهود الدولية للحد من هذه الظاهرة المشينة.
مفهوم العنف العائلي
العنف ضد الرفق: الشدة والقساوة، وهو خلاف الرفق، وعَنَفَ بالرجل وعليه، لم يرفق به وعامله بشدة، وعنّف عامله بشدة: لامه بشدة..
وعند الساسة وعلماء الأخلاق، العنف: استعمال القوة في غير محلها. أو أي قول أو فعل يوجب الاشمئزاز عند الطرف الآخر. ويقابله الرفق وهو كما في كتب اللغة: المعاملة بلطف ولين الجانب. وفي الكتاب العزيز لم يذكر لفظ العنف على الإطلاق وربما لتعدد مجلاته ولبشاعته. قال (صلى الله عليه وسلم): إن الله يحب الرفق ويعين عليه. وقال (صلى الله عليه وسلم): ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجراً وأحبهما إلى الله عز وجل أرفقهما بصاحبه.
والعنف عامة يمثل آفة البشرية الكبرى، والعنف العائلي سلوك مرفوض و مجرم في معظم الدول فهو مسألة ترجع إلى العنف الإنساني بشكل عام بين القوي والضعيف، وهو فكرة رمزية ولكن له انعكاسات سلبية على كيان الأسرة وسلامة وأمن وحقوق أفرادها، وبالرغم أن العنف العائلي من الظواهر التي تمتد جذورها إلى حضارات كل الأمم والثقافات والحضارات بدءاً من جريمة القتل الأولى عندما قتل هابيل قابيل إلا أنه مع ذلك ظل سلوكاً مرفوضاً ومشيناً في معظم تداعياته، ويشكل العنف العائلي تهديداً خطيراً لحقوق الإنسان خاصة المرأة والطفل وكبار السن والمعاقون الذين هم أكثر أفراد الأسرة عرضة للعنف فهم ضحاياه.
في العام 2000 قتلت في إسرائيل 15 امرأة على يد شركاء حياتهن؛ وفي العام 2001 قتلت 13 امرأة؛ بينما قتلت هذه السنة، حتى نهاية أيلول-سبتمبر، عشر نسوة ورجلان أثناء شجارات في العائلة. في هذا العام، قدمت 7،000 امرأة شكاوى في الشرطة عن ممارسة أشكال من العنف تجاههن من جانب شركاء حياتهن..
العنف والتخلف صنوان ، فالعنف هو الوجه الآخر للإرهاب والقهر اللذين يفرضان على الإنسان في المجتمع المتخلف. وقد جاء الإسلام ليقرر أن الناس جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات وهذا عمر بن الخطاب يقول متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.
لقد أقر الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة والذي تبتنه الجمعية العامة في كانون الأول / ديسمبر 1993 ووافقت عليه جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التعريف التالي لمصطلح العنف ضد المرأة : " أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أي أذى أو معاناة جسمية أو جنسية أو نفسية للمرأة بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء أوقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة".
كما نص هذا الإعلان على وجوب أن يشمل مفهوم العنف ضد المرأة ، على سبيل المثل لا الحصر، ما يلي:
- العنف الجسدي والجنسي والنفسي الذي يقع في إطار الأسرة، بما في ذلك الضرب المبرح، والإساءة الجنسية للأطفال الإناث في الأسرة، والعنف المتصل بالمهر، والاغتصاب في إطار الزوجية، وبتر الأعضاء التناسلية للإناث وغيره من الممارسات التقليدية المؤذية للمرأة، والعنف خارج نطاق الزوجية ، والعنف المتصل بالاستغلال.
- العنف الجسدي والجنسي والنفسي الذي يقع في الإطار العام للمجتمع، بما في ذلك الاغتصاب، والإساءة الجنسية، والتحرش والترهيب الجنسي في العمل وفي المؤسسات التعليمية وسواها، والاتجار بالمرأة والبغاء القسري.
- العنف الجسدي و الجنسي و النفسي الذي تقترفه الدولة أو تتغاضى عنه حيثما وقع.
كما تعتبر الأشكال التالية من العنف ضروباً من الانتهاكات لحقوق المرأة الإنسانية:
- النساء في حالات النزاع المسلح، والنساء المهجرات واللاجئات.
- النساء اللواتي يتم استبعادهن عن مراكز السلطة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية.
- حالات التعقيم القسري والإجبار بالقوة على تناول موانع الحمل، وقتل الأطفال الإناث، واختيار جنس الطفل قبل الولادة.
- أفعال التهديد بالعنف سواء أوقع ذلك في المنزل أو في المجتمع بصورة عامة.
ولقد توالت جهود المجتمع الدولي في التصدي لظاهرة العنف عموماً والعنف العائلي على وجه الخصوص، وقد تجسد ذلك في الاتفاقية الدولية لمنع كافة أشكال التمييز ضد المرأة
(CDAW) والتي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر 12/ 1997، والاتفاقية الدولية لحقوق الطفلC.R.C. ، واتفاقية تحريم الاتجار بالنساء والبالغات 7/12/1955، والاتفاقية الدولية بشأن جنسية المرأة المتزوجة.
وفي كل الأحول فإن العديد من الدراسات والبحوث في مجال العلوم الاجتماعية والتربية وعلم النفس تؤكد على خطورة العنف العائلي وانعكاساته السلبية على الفرد في شخصه وعلى الأسرة في استقرارها وعلى المجتمع في نموه وتقدمه.