اترك المستقبل حتى يأتي
((أتى أمر الله فلا تستعجلوه )) لا تستبق الأحداث ، أتريد إجهاض الحمل قبل تمامه ، وقطف الثمرة قبل النضج ، إن غدا مفقود لا حقيقة له ، ليس له وجود ، ولا طعم ، ولا لون ، فلماذا نشغل أنفسنا به ، ونتوجس من مصائبه ، ونهتم لحوادثه ، نتوقع كوارثه ، ولا ندري هل يحال بيننا وبينه ، أو نلقاه ، فإذا هو سرور وحبور ، المهم أنه في عالم الغيب لم يصل إلى الأرض بعد ، إن علينا أن لا نعبر جسرا حتى نأتيه ، ومن يدري؟ لعلنا نقف قبل وصول الجسر ، أو لعل الجسر ينهار قبل وصولنا ، وربما وصلنا الجسر ومررنا عليه بسلام.
إن إعطاء الذهن مساحة أوسع للتفكير في المستقبل وفتح كتاب الغيب ثم الاكتواء بالمزعجات المتوقعة ممقوت شرعا ، لأنه طول أمل ، ومذموم عقلا ، لأنه مصارعة للظل. إن كثيرا من هذا العالم يتوقع في مستقبله الجوع العري والمرض والفقر والمصائب ، وهذا كله من مقررات مدارس الشيطان ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ) كثير هم الذين يبكون ، لأنهم سوف يجوعون غدا ، وسوف يمرضون بعد سنة ، وسوف ينتهي العالم بعد مئة عام. إن الذي عمره في يد غيره لا ينبغي له أن يراهن على العدم ، والذي لا يدري متى يموت لا يجوز له الاشتغال بشيء مفقود لا حقيقة له.
اترك غدا حتى يأتيك ، لا تسأل عن أخباره ، لا تنتظر زحفه ، لأنك مشغول باليوم.
وان تعجب فعجب هؤلاء يقترضون الهم نقدا ليقضوه نسيئة في يوم لم تشرق شمسه ولم ير النور ، فحذار من طول الأمل
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
لا تنتظر شكرا من أحد
خلق الله العباد ليذكروه ورزق الله الخليقة ليشكروه ، فعبد الكثير غيره ، وشكر الغالب سواه ، لأن طبيعة الجحود والنكران والجفاء وكفران النعم غالبة على النفوس ، فلا تصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك ، وأحرقوا إحسانك ، ونسوا معروفك ، بل ربما ناصبوك العداء ، ورموك بمنجنيق الحقد الدفين ، لا لشيء إلا لأنك أحسنت إليهم ( وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ) وطالع سجل العالم المشهود ، فإذا في فصوله قصة أب ربى ابنه و غذاه وكساه وأطعمه وسقاه ، وأدبه ، وعلمه ، سهر لينام ، وجاع ليشبع ، وتعب ليرتاح ، فلما طر شارب هذا الابن وقوي ساعده ، أصبح لوالده كالكلب العقور ، استخفافا ، ازدراء ، مقتا ، عقوقا صارخا ، عذابا وبيلا.
ألا فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفطر ، ومحطمي الإرادات ، وليهنئوا بعوض المثوبة عند من لا تنفذ خزائنه.
إن هذا الخطاب الحار لا يدعوك لترك الجميل ، وعدم الإحسان للغير ، وإنما يوطنك على انتظار الجحود ، والتنكر لهذا الجميل والإحسان ، فلا تبتئس بما كانوا يصنعون.
اعمل الخير لوجه الله ، لأنك الفائز على كل حال ، ثم لا يضر غمط من غمطه ، ولا جحود من جحده ، واحمد الله لأنك المحسن ، وهو المسيء واليد العليا خير من اليد السفلى ( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) وقد ذهل كثير من العقلاء من جبلة الجحود عند الغوغاء ، وكأنهم ما سمعوا الوحي الجليل وهو ينعي على الصنف عتوه وتمرده ( مر كان لم يدعنا إلى ضر مسه ) لا تفاجأ إذا أهديت بليدا قلما فكتب به هجاءك ، أو منحت جافيا عصا يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه ، فشج بها رأسك ، هذا هو الأصل عند هذه البشرية المحنطة في كفن الجحود مع باريها جل في علاه ، فكيف بها معي ومعك.
..........................................
أطرد الفراغ بالعمل
الفارغون في الحياة هم أهل الأراجيف والشائعات لأن أذهانهم موزعة ( رضوا بان يكونوا مع الخوالف ) إن أخطر حالات الذهن يوم يفرغ صاحبه من العمل فيبقى كالسيارة المسرعة في انحدار بلا سائق تجنح ذات اليمين وذات الشمال.
يوم تجد في حياتك فراغا فتهيأ حينها للهم والغم والفزع ، لأن هذا الفراغ يسحب لك كل ملفات الماضي والحاضر والمستقبل من أدراج الحياة فيجعلك في أمر مريب ، ونصيحتي لك ولنفسي أن تقوم بأعمال مثمرة بدلاً من هذا الاسترخاء القاتل لأنه وأد خفي ، وانتحار بكبسول مسكن.
إن الفراغ أشبه بالتعذيب البطيء الذي يمارس في سجون الصين بوضع السجين تحت أنبوب يقطر كل دقيقة قطرة ، وفي فترات انتظار هذه القطرات يصاب السجين بالجنون.
الراحة غفلة ، والفراغ لص محترف ، وعقلك هو فريسة ممزقة لهذه الحروب الوهمية.
إذا قم الآن صل أو اقرأ ، أو سبح ، أو طالع ، أو اكتب ، أو رتب مكتبك ، أو أصلح بيتك ، أو انفع غيرك حتى تقضي على الفراغ وإني لك من الناصحين.
اذبح الفراغ بسكين العمل ، ويضمن لك أطباء العالم 50% من السعادة مقابل هذا الإجراء الطارىء فحسب ، انظر إلى الفلاحين والخبازين والبناءين يغردون بالأناشيد كالعصافير في سعادة وراحة وأنت على فراشك تمسح دموعك وتضطرب لأنك ملدوغ.